- الباب الفقهي
- قرارات وفتاوى لجنة المجمع
- المفتي
- المجمع الفقهي
- عنوان الفتوى
- الضرورة في الربــــا
- السؤال
- عرضت الدولة على الناس عمومًا ولاسيما الموظفين القروض بفائدة ربوية تتراوح بين 3-7% وربما أكثر مقابل قروض صغيرة (سلف) أو متوسطة تتراوح بين 10-50 مليون دينار عراقي، ولأغراض مختلفة، فهل يمكن الاستفادة من هذه القروض؟ وهل تبيح ضرورة حفظ النفس بالعلاج وحفظ العرض بالسكن هذا الربا؟
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد ..
فالربا من المحرمات القطعية التي ثبتت حرمته في نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والجرأة في اقتحامه بلا مبرر شرعي تمثل إعلان حرب على الله عزوجل، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكان الأولى بالدولة أن تُعِين الناسَ بقرضٍ حسنٍ خالٍ من الفوائد الربوية طلبًا لمرضاة الله عزوجل، أو بتمويل القروض بطريق المرابحة وغيرها من البدائل الشرعية.
إنّ حالة الضرورة تتحقق إذا تعرضت أحدى الكليات الخمس (الدين والنفس والعقل والمال والعرض) للخطر، ويمكن التعامل بالربا إذا تعين بابًا لقضاء تلك الضرورة، وضابط جواز أخذ القرض الربوي أنه إذا تعين لحفظ دين أو نفس أو عرض أو عقل، وليس لحفظ مال.
وهذا في زماننا يمكن أن يتحقق في الصورتين المذكورتين في السؤال، وعلى وفق الآتي:
أولا: صورة إنقاذ النفس من خلال الاقتراض للعلاج إذا كان المرض يزداد شدة، يغلب بتأخيره هلاك النفس أو إتلاف أحد الأعضاء أو تعطيل منفعته؛ ويغلب على الظن بإخبار الطبيب الحاذق الثقة أن هذا العلاج نافع له، فالعلاج وسيلة من وسائل حفظ النفس لمن يحتاجه.
إذا احتاج المريض التدخل الجراحي لمعالجة مرضه (ويدخل فيها مصاريف السفر للمريض والمرافق له إن تعيّن، واحتاج العلاج خارج البلد)، ولم يكن لديه المال الكافي للعلاج أو لإجراء العملية، ولم يجد من يتصدق عليه بالمبلغ، أو من يقرضه القرض الشرعي الحسن.
ولم يجد طريقا غير القرض الربوي، فلا بأس بأخذه، لأنه من الضرورة التي تبيح المحظور، ولأن حفظ النفس من مقاصد الشريعة، وهنا تقدم مصلحة حفظ النفس على مفسدة أكل الربا، والحاصل هنا ضرر يخشى منه إتلاف النفس أو عضو أو زيادة أذاهما.
ثانياً: القرض لأجل السكن قد يحتاج مقصد حفظ النفس والدين والعِرض إلى سكنٍ مناسبٍ، والأسرةُ التي لا تجد مسكنًا يؤويها أو لا تستطيع تحمل تكاليف الإيجار الباهظة تعيش حالة ضرورة، فالأصل في المسكن المناسب أنه من الحاجيات، الذي يصبح من الضروريات عندما يتعين لحفظ النفس والعرض.
فمن لا يملك ثمن الإيجار الباهض ولا يُسمح له اليوم بالبناء بالطين البسيط، لأن التشريعات الحديثة تحرمه من تقديم خدمات الماء والكهرباء إلا ببناء الطابوق، وكانت له عائلة وأراد أن يستر عرضه فلم يجد طريقًا إلا الربا فليس ببعيد أن يقال له بجواز ذلك حفظًا لمقصد العرض من الكليات الخمس.
وقد استعمل بعض العلماء مصطلحات للتعبير عن الحاجة التي تعم، فسماها ابن عابدين(1): «عموم الضرورة»، وسماها بعضهم «الضرورة الجماعية».
والإفتاء في المناطقِ التي شهدَتْ صراعاتٍ وأعمال عنف في بلدِنا يبنى على ذلك، والقاعدة تقول: (الْحَاجَةُ الْعَامَّةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ الْخَاصَّةِ فِي حَقِّ آحَادِ النَّاسِ)، فيجوزُ لهؤلاءِ أنْ يأخذوا قروضَ الإسكان منَ الدولةِ لبناءِ مساكنِهم بالشروط الآتية:
1. أن لا يكون لدى المقترض مالٌ كافٍ لبناء أرضه وتعمير مسكنه.
2. أن لا يكون هناك بديل شرعي آخر، كالقرض الحسن أو توافر البنوك الإسلامية القادرة على هذه التمويلات.
3. أن تنطبق عليه حالة الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، وتحديد هذه الضرورة لكل حالة لا تترك لهوى النفس وإنما يرجع فيها إلى أحد العلماء المعتبرين والمؤسسات الفقهية المعتمدة. إنّ هذه الفتوى قائمة على أنَّ الربا حرامٌ، وسببُ السماحِ به قائم على أساسِ الضرورةِ الجماعيةِ أو الحاجةِ العامةِ، وما دامَتْ قائمةً فالفتوى قائمةٌ، فإن انتفت الحاجة عادت الحرمة، وانتفى الاستثناء في قوله تعالى: ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)(2)..
والله من وراء القصد.
(1)في كتابه عقود رسم المفتي (ص45) .
(2) الأنعام: 119.
- الموضوع الفقهي
- الضرورة في الربــــا
- عدد القراء
- 192