- الباب الفقهي
- فقه الأسرة (الأحوال الشخصية)
- المفتي
- لجنة الفتوى في المجمع الفقهي العراقي
- عنوان الفتوى
- بيع عضو من أعضاء جسم الانسان
- السؤال
- ما حكم نزع القرنية من عين وزرعها في عين آخر؟ بالنظر إلى ضابط إيثار الإنسان على نفسه، وما مدى شرعية تحكم الإنسان في عضو من أعضائه ؟
- الجواب
-
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد:
إنّ نقل الأعضاء والتبرع بها من المسائل المستجدة وهي وليدة التقدم العلمي الذي شهده الطب الحديث في مجال غرس الأعضاء الإنسانية فيمن فقدوا أعضاءهم أو تلفت بسبب مرض أو غيره، ونقلها إليهم من الأحياء والأموات.
ويقصد بنقل الأعضاء: هو زرع عضو طبيعي من إنسان في موضعٍ من جسد الإنسان نفسه أو غيره، يكون بديلًا عن عضوه المبتور الذي قطع لسبب أو لآخر، أو العضو المريض عديم الفائدة والوظيفة.
واختلف العلماء المعاصرون في مسألة نقل الأعضاء البشرية والتبرع بها على قولين: المنع والجواز. وابرز أدلة المانعين أن أعضاء الإنسان ليست ملكا له، وأنه مكرم، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾(1)، وقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ٤﴾(2)، فلا يجوز امتهان كرامة الإنسان وابتذاله بإتلافه أو إتلاف بعض أعضائه، وقد أكد بعض الفقهاء القدامى ذلك، يقول المرغيناني في الهداية: لا يجوز بيع شعور الإنسان ولا الانتفاع بها لأن الآدمي مكرم لا مبتذل، فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانا ومبتذلا، ويقول الدردير في الشرح الكبير: وكذا جلد الآدمي- لا يرخص فيه مطلقا- لشرفه كما يعلم من وجوب دفنه، وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: والآدمي يحرم الانتفاع به وبسائر أجزائه لكرامته، فهذه النصوص تدل على أن الأصل تحريم الانتفاع بأجزاء الإنسان لكرامته.
وحتى في حالة الاضطرار والإكراه حرم العلماء أكل وقطع جسم الإنسان وأعضائه واستعمالها له ولغيره، قال ابن عابدين في حاشيته: وإن قال له آخر اقطع يدي وكلها لا يحل لأن لحم الإنسان لا يباح في الاضطرار، وقال ابن نجيم في الأشباه والنظائر: لا يأكل المضطر طعام آخر ولا شيئا من بدنه، وقال الكاساني في بدائع الصنائع : أما النوع الذي لا يباح ولا يرخص بالإكراه أصلا فهو قتل المسلم بغير حق... وكذا قطع عضو من أعضائه... ولو أذن له المكره عليه... لا يباح له، لأن هذا مما لا يباح، وقال ابن قدامة المقدسي في المغني: فإن لم يجد المضطر شيئا لم يبح له أكل بعض أعضائه... وإن لم يجد الا آدميا محقون الدم لم يبح أن يبقي نفسه بإتلافه وهذا لا خلاف فيه... وإن وجد معصوما ميتا لم يبح أكله، كما عده بعضهم من المثلة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها(3)، وإن قطع أعضاء الإنسان- حيا كان أو ميتا- وفصلها عن موضوعها مثلة، وهو حرام أو مكروه تحريمياً عند جمهور الفقهاء كما يقول ابن قدامة في المغني. وأما المجيزون فقد استدلوا بأدلة منها : أن نقل الأعضاء وزرعها يعدّ نوعا من التداوي، وحفظ النفس الذي حث عليه الشارع الحكيم، وفيه إنقاذ للنفوس من التهلكة قال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾(4)، وقال تعالى: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾(5)، وأن التبرع بالأعضاء نوع من تفريج للكربات، وتأكيد على مبدأ التراحم والتكافل بين أفراد المجتمع، وصورة من صور الإيثار، وقد مدح الله ورسوله من يعمل ذلك، قال تعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ (6) وقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ»(7)، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»(8)، والتفريج والإيثار يكون بالمال وغيره، بشرط ألا يؤدي إلى هلاك المؤثر، أو حصول ضرر بالغ به.
وإن منع بعض الأقدمين من الفقهاء الانتفاع بأعضاء الآدمي وتحريمه لعلة عدم النفع، قال ابن مفلح في المبدع: وحرم بيع العضو المقطوع لأنه لا نفع فيه، واليوم يمكن الانتفاع بهذه الأعضاء لما توصل إليه العلم المعاصر، فانتفت العلة على هذا القول، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
ومن مقاصد الشريعة حفظ النفس، وقد أباح الشرع ارتكاب بعض المحرمات لحفظ النفس وصيانتها عن التلف، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ١٧٣﴾(9)، كما أن ما يشكل حكمه ينظر إلى مآلاته وما يترتب عليه من المفاسد والمصالح، والشريعة جاءت لتحقيق المصالح بجلب المنافع ودرء المضار والمفاسد، ومتى تحققت المصلحة خالصة أو رجحت على المفسدة فهنالك الإباحة والجواز، يقول العز بن عبد السلام: وأما ما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه فكقطع اليد المتآكلة حفظا للروح أن كان الغالب السلامة، فانه يجوز قطعها وان كان إفساداً لها، لما فيه من تحصيل المصلحة الراجحة وهو حفظ الروح(10)، ولذا جاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهرا يقوم مقامها، لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة.
وعلى ضوء ما سبق نرى والله اعلم؛ إنّ قول القائلين بالجواز هو اقرب إلى تحقيق مقاصد الشريعة، لاسيما مع التطور في مجال الطب الذي يؤدي إلى تحقيق مقصد الشريعة في حفظ النفس سواء لمن نقل منه أو نقل إليه، وسبق لبعض المجامع الفقهية(11) أن أفتت بجواز أخذ عضو من جسم إنسان وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته، أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه الأساسية.
كما أن مخاوف القائلين بالمنع يمكن تجاوزها من خلال الالتزام بإتقان العمل، فلا يدخل نقل الأعضاء وزرعها، في المثلة لان المقصد منها الانتقام والتشفي بالتشويه الشنيع كجدع الأنف والآذان وقطع الأعضاء التناسلية، في حين أن نقل الأعضاء وزرعها مقصدها الرحمة والعطف لإنقاذ قريب أو صديق، ويعقبها عادة عمليات تجميل تعمل على إخفاء الآثار المترتبة عنها.
وإنها لا تنافي كرامة الآدمي بل تعززها بترقيتها من خلال الإيثار الذي تميز به المسلمون الأوائل وقد آثر بعضهم أخاه على نفسه.
ومنه نرى جواز عملية نقل القرنية وزرعها، لأن (أعضاء الجسم يسلك بها مسلك الأموال فكما يجوز له التبرع بماله يجوز له التبرع بأعضائه، وأما نقلها من ميت، فيمكن تخريج ذلك بالقياس على جواز شق بطن الحامل المتوفاة لإخراج جنينها الحي في بطنها الذي قال به الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية وعللوا ذلك، بأن استبقاء حي بإتلاف جزء من الميت يشبه أكل جزء من الميت إذا اضطر إليه وهو جائز.
مع مراعاة بعض الضوابط لتلافي ما يعتري هذه العملية من محظورات ومخالفات، ومنها: - ان لا يضر اخذ العضو من المتبرع به ضررا يخل بحياته العادية، للقاعدة الشرعية الضرر لا يزال بضرر مثله ولا بأشد منه، ومنه أن لا يكون للمتبرع عين واحدة سليمة لأن في فقدانها زوال وظيفة أساسية في حياته وهي البصر، ومن باب أولى أن لا يؤدي قطع العضو ونقله إلى وفاة الحي كقطع القلب؛ لأنه كالانتحار.
* أن يكون إعطاء العضو طوعا من المتبرع، من دون إكراه. • أن يكون زرع العضو هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لمعالجة المضطر.• أن يكون نجاح كل من عمليتي النزع والزرع محققا في العادة أو غالبا.
• أن يكون التبرع بالعضو بدون مقابل، ولا مانع من إعطاء المال من قبيل الهبة لا المعاوضة، ويحرم المتاجرة بها.
• أن لا يكون تعويضا عن عضو في حد شرعي. • أن تكون هنالك حاجة ماسة إلى هذا وليس مجرد التزيين.
وهنالك ضوابط متعلقة إن كان المنقول عنه ميتا، فجواز النقل هنا مقيد بأن يوصي الميت بذلك أو يأذن الورثة في نقل العضو المراد زراعته.
والله أعلم.
(1) الإسراء: 70.
(2) التين: 4.
(3)رواه البخاري: 4192
(4)البقرة: 195.
(5) المائدة: 32.
(6) الحشر: 9.
(7) رواه الإمام احمد في مسنده: 14231 والحاكم في مستدركه وقال على شرط مسلم .
(8)رواه البخاري: 2442.
(9) البقرة: 173.
(10) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام، ص 92.
(11) ومنه: قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة رقم (8/ 1) في عام 1405هـ- 1985م في المادة أولا، والقرار رقم (26) الذي صدر عن مجمع الفقه الإسلامي بجدة التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، في عام 1408هـ -1988م المادة ثانيا بالنسبة لنقل الأعضاء من الحي، ونصها: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، والمادة سادسا : بالنسبة للميت ونصها: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك، بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له .. وتابعهما في ذلك المجمع الفقهي الإسلامي بالهند، ومجلس الافتاء الاوربي. أصل هذه القاعدة عند الحنفية بلفظ (الأطراف يسلك بها مسلك الأموال( الهداية شرح البداية 3/158 (ما دون النفس سلك به مسلك الأموال) انظر: المبسوط للسرخسي 21/15، ويقولون أن الأطراف خلقت لوقاية النفس كالأموال وعليه الأعضاء كالأطراف مخلوقة لوقاية النفس وبقائها.
- الموضوع الفقهي
- حكم بيع عضو من جسم الانسان
- عدد القراء
- 216