- الباب الفقهي
- فتاوى أخرى
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- حكم صلة الرحم وقطعها
- السؤال
- أمرت الشريعة بصلة الرحم، فمن هم الذين يشملهم الأمر بصلة الرحم؛ من الذين لا يجوز لنا أن نقطعهم؟
- الجواب
-
هناك أمور استهان بها الكثير منها قطيعة الرحم ورسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول (ما من ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ الله لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ في الدُّنْيَا مع ما يَدَّخِرُ له في الآخِرَةِ من الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)(1) ، وفي الحديث إشارتان:
- قَرَن البغي الذي هو الظلم والاعتداء على الآخر بالقطيعة مما يدل على عظم القطيعة.
- تعجيل العقوبة على القطيعة مع عدم رفع العقوبة المؤخرة، وهذا يدل على عظم هذا العمل فعقوبته دنيوية وأخروية والدنيوية معجلة، ومع هذا لا تكفر الأخروية المؤجلة. ومن بشاعة عقوبته الأخروية كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ)(2) .
وفي المقابل جزاء الصلة الحسن إذ يعجل ويؤجل فيقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (من سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) (3).
وأهل الرحم: هم الذين جمعتهم رحمُ والدةٍ واحدة، وقطعُها يكون بترك أداء ما ألزم الله من حقوقها وأوجب من برها.
ووصلها أداء الواجب إليها من حقوق الله التي أوجب لها والتعطف عليها بما يحق التعطف به عليها.. والرحم أربعة: الأعم: رحم أمنا حواء وتشمل البشرية التي كرمها الله جمعاء ومواصلتها بدعوتهم وتمني الخير والهداية لهم، ومن هذا قوله تعالى (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) (4).
فهود لم يكن أخًا حقيقة لهم بل من قومهم، ومثله قوله عن صالح مع ثمود (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً) (5) وشعيب مع مدين (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً) (6)
والرحم عامة: وهي رحم الدين؛ ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله ونصرتهم والنصيحة لهم وترك مضارتهم والعدل بينهم والقيام بحقوقهم الواجبة كتمريض المرضى وحقوق الموتى من غسلهم والصلاة عليهم ودفنهم وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم(7).
وخاصة: وهي القرابة من طرق الرجل؛ أبيه وأمه فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة كالنفقة وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب.
والأخص: الرحم الذي يتعلق به أمر الصلة والنهي عن القطيعة هو ما يمنع عقد النكاح بينهما إذا كان أحدهما رجلاً والآخر امرأةً؛ لأن ما عدا ذلك لا يتعلق به حكم وهو بمنزلة الأجنبيين(8).
وهذا يشتمل على الأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة، أما الجد والجدة فهما بمنزلة الوالدين، وقد وردت عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم روايات عدة في هذا المعنى منها قوله صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ (أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ)(9).
ومنها قول طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ رضي الله عنه حين قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ (يَدُ الْمُعْطِي الْعُلِيَا وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)(10).
وسُئل مرةً: من أَبَرُّ؟ قال صلى الله عليه وسلم ( أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ وَمَوْلاكَ الذي يَلِي ذَاكَ حَقٌّ وَاجِبٌ وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ)(11) .
هذا هو الواجب، ومن رحمه بعد هؤلاء كأبنائهم فصلتهم للاستحباب، ولا يتعلق بذلك حكم في التحريم. وهناك قاطع ومكافئ وواصل، فالقاطع معروف، والمكافئ: هو الذي يعطي لغيره نظير ما أعطاه ذلك الغير، والواصل الممدوح هو الذي يبينه قوله صلى الله عليه وسلم (ليس الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)(12).
(1)رواه أبو داود، باب النهي عن البغي، حديث رقم 4902، والترمذي، حديث رقم 2511 وقال عنه: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وابن ماجه، بَاب الْبَغْيِ، حديث رقم 4211.
(2)رواه البخاري، بَاب إِثْمِ الْقَاطِعِ، حديث رقم 5638.
(3)أخرجه البخاري، بَاب من بُسِطَ له في الرِّزْقِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، حديث رقم 5639. ومسلم، حديث رقم 2557.
(4)الأعراف65.
(5)الأعراف73.
(6)الأعراف85.
(7) تفسير القرطبي 16/247.
(8)أحكام القرآن للجصاص 2/337.
(9) الطبراني، المعجم الكبير 1/184، حديث رقم 484. وقال عنه في مجمع الزوائد 3/120: إسناده حسن.
(10) صحيح ابن حبان 8/130، بيان بأن على المرء إذا أراد الصدقة بأنه يبدأ بالأدنى، حديث رقم 3341.
(11) أخرجه أبو داود، برقم 5140.
(12) رواه البخاري، بَاب ليس الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، برقم 5645.
- الموضوع الفقهي
- صلة الارحام
- عدد القراء
- 145