ما حكم الإنابة والاستئجار في الحج؟ وهل يجب أن يكون من بلده أو من ميقات بلده؟ وفقكم الله تعالى لمرضاته
- الباب الفقهي
- العبادات / الحج والعمرة
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- حكم الانابة والاستئجار في الحج
- السؤال
- ما حكم الإنابة والاستئجار في الحج؟ وهل يجب أن يكون من بلده أو من ميقات بلده؟ وفقكم الله تعالى لمرضاته
- الجواب
-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعـد:
فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز الإنابة والوكالة بالحج عن الشخص الميت الذي عجز عن الحج في حياته، وكذلك عن المعضوب العاجز عن الحج بنفسه، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنَّ امرأة من خَثْعَم قالت: يا رسول الله، إنَّ فريضة الله على عباده في الحَجِّ أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يَستَطيع أن يَثبُت على الرَّاحلة، أفأحُجُّ عنه؟ قال: ((نعم))، ولحديث أبي رَزين العُقَيلي: أنه أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يَستَطيع الحَجَّ ولا العُمرة ولا الظَّعن، فقال: ((حُجَّ عن أبيك واعتَمر))؛ رواه أحمد وأصحاب السنن، وقال التِّرمذيُّ: حسن صحيح قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-:(والجمهور على أن النيابة في الحج جائزة عن الميت والعاجز الميئوس من برئه )، وعليه يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة عن نفسه أن يحج عن غيره في هذه الحالة للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك.
ومَن ينوب في الحجِّ عن الغَير يجوزُ له أن يأخُذ كلَّ ما يَحتاجُه من النَّفقة والتِزامات الحجِّ، سواءٌ كانت النفقة للحجِّ أم السفر وغيرِه، كما أنَّ له أن يُنفق على نفسِه أثناءَ الحجِّ والعودة منه بالمعروف، بغير إسْراف ولا تقْتير، ولا يجوز بالإجماع أن يحج ويجعلها لشخصين أو أكثر، فالحج لا يجزئ إلا عن واحد، وكذلك العمرة .
وأما اخذ الأجرة على الحج وهو ما يسمى عند الفقهاء بالاستئجار فقد أُختلف فيه؛ فذهب أكثر أهل العلم إلى جواز اخذ الأجرة عن الحج، وهو قول الإمام مالك والإمام الشافعي ورواية عن الإمام أحمد، وقد نقل الإمام ابن قدامة والإمام ابن رشد والإمام ابن المنذر –رحمهم الله تعالى- الإجماع على إباحة الاستئجار للمنافع المباحة شرعاً، فالحج عن الغير منفعة مباحة شرعاً وليست من فرائض الأعيان التي لا يصح التوكيل فيها، فلمّا دخلت النيابة جاز أن يحج عنه بالإجارة.
قال الإمام ابن عبد البر المالكي- رحمه الله تعالى-: (ومِن حُجَّة مالك والشَّافعي على جواز ذلك: إجماعُهم على كتْب المصحف، وبناء المسجِد، وحفْر القبْر، وصحَّة الاستئجار في ذلك، وهو قربة إلى الله - عزَّ وجلَّ - فكذلك عمل الحجِّ عن الغير، والصدقات قربةٌ إلى الله - عزَّ وجلَّ - وقد أباح للعامل عليْها الأجر على عمالته).
قال الإمام النووي –رحمه الله تعالى- في الايضاح في المناسك: ( ولو حج عن غيره كان أعظم لأجره، ولو حج عنه بأجرة فقد ترك الأفضل، لكن لا مانع منه وهو من أطيب المكاسب، فإنه يحصل لغيره هذه العبادة العظيمة، ويحصل له حضور تلك المشاهد الشريفة فيسأل الله من فضله).
وينبغي تحري أهل الخير والصدق والأمانة والعلم بمناسك الحج لحج البدل أو الاستئجار، ويجب أن تكون نيّته لله تعالى أي من أجل العبادة وزيارة بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة، لا بقصد الدنيا والتكسب والاسترزاق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى-:( ولا يستحب للرجل أن يأخذ مالاً يحج به عن غيره إلا لأحد رجلين: إما رجل يحب الحج، ورؤية المشاعر، وهو عاجز، فيأخذ ما يقضي به وطره الصالح، ويؤدي به عن أخيه فريضة الحج،أو رجل يحب أن يُبرئ ذمَّة الميت عن الحج، إما لصلة بينهما، أو لرحمة عامة بالمؤمنين، ونحو ذلك، فيأخذ ما يأخذ ليؤدي به ذلك.
وجِماع هذا: أن المستحب أن يأخذ ليحج، لا أن يحج ليأخذ، وهذا في جميع الأرزاق المأخوذة على عمل صالح، فمن ارتزق ليتعلم، أو ليعلِّم، أو ليجاهد: فحسن، وأمَّا من اشتغل بصورة العمل الصالح لأن يرتزق: فهذا من أعمال الدنيا، ففرق بين من يكون الدين مقصوده، والدنيا وسيلة، ومن تكون الدنيا مقصوده، والدِّين وسيلة، والأشبه: أن هذا ليس له في الآخرة مِن خلاق، كما دلت عليه النصوص).
وثواب الحج والعمرة لمن ناب عنه أو لمن استأجره، ويُرجى للنائب أو الأجير أيضا أجر عظيم، لأنه يؤدي حج الفرض عن الغير، ولعموم حديث ((مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))(رواه الشيخان)، وقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)).
واشترط بعض الفقهاء أن يحج عنه من بلده أو من ميقات بلده، فان لم يكن له مال يكفي لذلك جاز له الإنابة أو الإجارة من مكة على الراجح من خلاف العلماء، قال صاحب حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع: (إلا إن ضاق ماله جاز ولو من غير مكانه) . وقال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى- في الشرح الممتع: (أنه يجوز أن يحج النائب ولو من مكة وذلك، لأن السعي ليس مقصودا لذاته، ولعل هذا أرجح - إن شاء الله -
فالقول الراجح: أنه لا يلزمه أن يقيم من يحج عنه من مكانه، وله أن يقيم من يحج عنه ولو من مكة، ولا حرج عليه في ذلك، لأن السعي إلى مكة مقصود لغيره).
والخلاصة: ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز الإنابة والوكالة بالحج عن الشخص الميت الذي عجز عن الحج في حياته، وكذلك عن المعضوب العاجز عن الحج بنفسه، لما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، وكذلك ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز اخذ الأجرة عن الحج، وكذلك يجوز أن يحج النائب ولو من مكة، ولا يلزمه أن يقيم من يحج عنه من مكانه او بلده اذا لم يملك المال الكافي والنفقة. والله تعالى اعلم .
- الموضوع الفقهي
- حكم الانابة
- عدد القراء
- 207