- الباب الفقهي
- فقه الأسرة (الأحوال الشخصية)
- المفتي
- الشيخ الدكتور طه أحمد الزيدي
- عنوان الفتوى
- عمليات التجميل ونشر صورها
- السؤال
- ما حكم إجراء عمليات التجميل؟ ونشر صور لنتائج هذه العمليات لنساء مكشوفات مع تمويه اماكن العورة ؟
- الجواب
-
في هذه المسألة التفصيل الاتي:
أولاً: إن الله خلق الانسان في أحسن صورة واكملها، قال تعالى: (ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (سورة التين :4)، والحسن والجمال أمر نسبي فلا يسعى للمماثلة والمحاكاة والتلاعب بهذا الخلق لأجل ذلك.
ثانياً: أي تغيير في خلق الله بدعوى طلب الحسن والجمال لا يجوز شرعا، فهي دعوى شيطانية منهي عنها، قال تعالى: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)، فهذه الآية الكريمة واردة في سياق الذم، وبيان المحرمات التي يضل بها الشيطان بني آدم ويزينها لهم ومنها تغيير خلق الله، أو التلاعب به، طلبا للحسن الزائد والصورة الأجمل، مجاراة للمودة ومحاكاة لأهل الفساد ومراعاة لمقاييس الجمال بقصد الاغراء والفتنة، وهو المقصود بحديث (لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ)* ، ويدخل في هذا النوع عمليات تجميل الأنف إما بتصغيره أو تكبيره وتجميل الثديين للنساء بالتصغير أو التكبير وتجميل الوجه بشدّ التجاعيد، وشدّ البطن، وعمليات تقويم الأسنان بقصد التفلج أو زيادة التجمُّل، ومن أشدها عمليات تغيير الجنس مع كمال أعضاء الجهاز التناسلي عند صاحبها.
ثالثاً: قد يحصل عيب في الخلقة بزيادة عضو أو جزء منه أو نقصانه، أو تشوهات نتيجة حادث حرق أو دهس أو سوء استخدام للمواد الكيمياوية أو الدوائية، ويتضرر منها صاحبها، حسيا أو معنويا، بل قد تشكل عليه خطرا كالسمنة المفرطة، فهذا مطلوب شرعا ازالته ويترخص في علاجه بفعل تدخل جراحي؛ ومنها عمليات زرع الشعر أو زرع الاعضاء المقطوعة أو التالفة، أو ازالة الاعضاء الزائدة، أو قص المعدة أو شفط الدهون من البطن والصدر والارداف التي تسبب السمنة المفرطة وتشكل عبئاً ثقيلاً على الجسم، وتؤثر على أداء بعض اعضائه وأجهزته لوظائفها بشكل سليم، وتزيد من نسبة الاصابة ببعض الامراض كضغط الدم والسكري، لأن عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفا من ورق، فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم، فاتخذ أنفا من ذهب** ، ويستأنس بحديثه صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الْأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ، وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا،..قَالَ: فَأَتَى الْأَقْرَعَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا،.. قَالَ: فَأَتَى الْأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَرُدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ"*** ، والشاهد أن هذه الاعمال الثلاثة ليست من باب التجميل الزائد أو زيادة الحسن، ولا من باب تغيير خلق الله، بل هو من باب إزالة العيب وردّ ما نقص، فدل على مشروعية العمليات لأجل ذلك، وللقاعدة الفقهية: الضرر يزال، وهي تشتمل على إزالة الضرر الحسي، والمعنوي، بشرط أن لا تؤدي هذا العمليات الى ضرر أشد من الضرر الذي يراد إزالته.
رابعاً: ما من تدخل طبي علاجي أو جراحي الا وفيه ضرر أو آثار جانبية أو مضاعفات، لدرجة أن الاطباء المهنيين لا ينصحون بإجرائها، ولذا لا يجوز اللجوء اليها الا من باب الاضطرار والحاجة، واما التحسينيات فلا؛ لأن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة، ولاسيما في الأمور التحسينية والتكميلية ولأن مضاعفات إجراء هذه العملية كثيرة وبعضها خطيرة.
خامساً: من مقاصد كثير ممن يقوم بعمليات التجميل الغش والتدليس ليبدو صاحبها على غير حقيقته وعمره، ومنها ترقيع غشاء البكارة للزانية، وكل ذلك في أصله محرم شرعاً، لقوله عليه الصلاة والسلام: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي)**** .
سادساً: من مقاصد بعض عمليات التجميل معالجة آثار الحدود الشرعية، كقطع اليد أو بسبب القصاص، فقد ذهب جمهور الفقهاء الى عدم جواز مثل هذه العمليات التجميلية لإزالة أثر الحدود.
سابعاً: في عمليات التجميل لا يجوز أن يباشرها من ليس من جنس من تجرى له العملية اي الطبيب يعالج الرجال والطبيبات يجرين عمليات للنساء الا عند الضرورة، لما يعتري هذه العمليات من كشف للعورات، ولا يجوز النظر اليها الا لضرورة، وأكثر العمليات لا تندرج تحت الضرورة.
ثامنا: وأما نشر صور لهذه العمليات أو لنتائجها بقصد الدعاية وترغيب الناس فيها، فأي صورة تظهر عورة لا يجوز نشرها حتى لو تم تمويه مكان العورة، وحتى لو رضي أصحابها، كما لا يجوز شرعا وقانونا نشر اية صورة ليست فيها مخالفة شرعية الا بإذن أصحابها ما لم تكن الصورة عامة ومتداولة في شبكة الانترنت. والله أعلم.
* أخرجه البخاري ومسلم.
** أخرجه ابو داود، وهو حديث حسن.
*** أخرجه البخاري ومسلم.
**** أخرجه مسلم.
- الموضوع الفقهي
- عمليات التجميل
- عدد القراء
- 152