- الباب الفقهي
- فقه الأسرة (الأحوال الشخصية)
- المفتي
- الشيخ الدكتور طه أحمد الزيدي
- عنوان الفتوى
- الخلوة عبر غُرف المحادثة
- السؤال
- هل تعامل طالبة العلم مع الأستاذ أو زميلها الطالب عبر وسائل التواصل الاجتماعي لغرض العلم يعدّ خلوة ؟
- الجواب
-
إن المقصود بالخلوة شرعا : هي انفراد بين شخصين في غيبة عن أعين الناس، في مكان ساتر، يمكنهما الوطء وإن لم يفعلاه، وهي محرمة بين رجل وامرأة أجنبيين لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم* ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما)** .
فأي مكان يتحقق فيه وصف الخلوة يحرم اختلاء الرجل فيه بامرأة أجنبية، وتترتب عليه الآثار الشرعية، وأما الانفراد بالأماكن العامة التي لا يأمن دخول الآخرين عليهما فلا تتحقق به الخلوة المحرمة، ولكنه لا يخلو عادة من محظورات شرعية كالنظر إلى المفاتن والخضوع بالكلام والملامسة.
وهذه المحظورات تكون في الانفراد حقيقة بالأماكن العامة أو حكما بالانفراد عبر وسائل الاتصال الحديثة بما يطلق عليه غرف المحادثة (الشات).
وقد نظمت الشريعة الإسلامية علاقة الرجل بالمرأة الأجنبية أو الاتصال بينهما بجملة من الأحكام الشرعية وهذه الأحكام محكومة بجملة من النصوص الشرعية، منها: قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (سورة الأحزاب:53)، وقال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) (سورة الأحزاب:32)، وقال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (سورة النور: 30-31).
ومنضبطة بجملة من القواعد الفقهية منها: درء المفاسد مُقدّم على جلب المصالح، وما أفضى إلى مُحرّم فهو مُحرّم، وسدّ الذرائع الْمُفْضِية والْمُؤدِّية إلى ما حرّم الله تعالى.
ولذلك جاء الإسلام بِغضّ البصر؛ لِكون إطلاقه مُفضياً إلى ما حرم الله، وجاء النهي عن الخلوة بالأجنبية، وكذلك النهي عن الخضوع بالقول؛ لما يؤديه ذلك من وقوع الفاحشة أو حصول مُقدِّماتها، فإن الخضوع بالقول واللين فيه مباح في الأصل ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم منع منه، ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال أن لا تلين لهم القول، وقال الإمام البغوي: «وَالْمَعْنَى: لَا تَقُلْنَ قَوْلًا يَجِدُ مُنَافِقٌ أو فَاجِرٌ بِهِ سَبِيلًا إِلَى الطَّمَعِ فِيكُنَّ، وَالْمَرْأَةُ مَنْدُوبَةٌ إِلَى الْغِلْظَةِ فِي الْمَقَالَةِ إِذَا خَاطَبَتِ الْأَجَانِبَ لِقَطْعِ الْأَطْمَاعِ»*** .
وميل الرجال إلى النساء موجود في فطرهم (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ) (سورة آل عمران: 14) فيراعى الاحتياط في ضبط الاتصال بينهما، ولذا فإن حركة المرأة وكلامها مؤطرة بالحياء حفظا لها وغلقا لباب الفتنة، قال الله تعالى: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) (سورة القصص: 25) ومن روائع التلاوات أن يقف على كلمة (عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) ثم يبدأ بها، فيكون المشي على استحياء، وعلى استحياء يكون قولها وكلامها أيضا.
وبناء على ما سبق فإنّه لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه؛ لغير ضرورة أو حاجة حقيقية مقصودة؛ لما في ذلك من الفتن، ويعدّ مدارسة العلوم الشرعية والنافعة من الحاجيات، ولذا فإن انفراد الرجل بالمرأة الأجنبية ضمن الخلوة الحكمية عبر الأجهزة الحديثة ومخاطبتها من أجل مدارسة العلم، يجوز بشروط:
1. أن تكون مع شخص معرف لديها بصفته كالأستاذ أو المدرس بالنسبة للطالبة أو بالعكس.
2. الالتزام بالحد الأدنى من طريقة التواصل، فإن أدت الكتابة الغرض من المحادثة فبها وإلا انتقلت إلى المحادثة الصوتية، ويتم تجنب المحادثة المرئية إلا لضرورة.
3. التزام الطرفين بالملبس الشرعي في أثناء المحادثة، ولاسيما المرأة فتحافظ على حجابها الشرعي.
4. اجتناب تبادل الصور الشخصية لغير ضرورة.
5. عدم الإطالة لغير حاجة.
6. عدم خضوع المرأة بالقول أو استخدام عبارات مثيرة للشهوة أو فيه نوع من التحرش.
7. إنهاء المحادثة والتواصل عند تجاوز احد الطرفين حدود الأدب والأخلاق.
8. تجنب الأحاديث الخاصة التي لا علاقة لها بسبب إجراء المحادثة لأنها من مقدمات الفتنة.
* أخرجه البخاري ومسلم.
** أخرجه الإمام احمد بإسناد صحيح.
*** تفسير البغوي، 6/ 348.
- الموضوع الفقهي
- الخلوة
- عدد القراء
- 162