- الباب الفقهي
- فقه الأسرة (الأحوال الشخصية)
- المفتي
- الشيخ الدكتور طه أحمد الزيدي
- عنوان الفتوى
- العصمة بيد الزوجة
- السؤال
- هل يجوز أن تشترط المرأة العصمة بيدها في اثناء عقد النكاح أو بعده؟
- الجواب
-
عقد النكاح له طرفان، وأباحت الشريعة الإسلامية للطرفين وضع شروط فيه بما يحقق منفعة شرعية ولا يُخل بمقتضى العقد، وينبغي مراعاتها من الطرفين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوفَى بِهِ، مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ)(1) ، هذا من حيث الاصل، واختلف الفقهاء في أن تشترط المرأة في أثناء العقد أن تكون العصمة أو أمرها بيدها، فذهب جمهور الفقهاء الى صحة العقد وبطلان الشرط، لأنه يتنافى مع القوامة التي جعلها الله للرجال على النساء، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أموالهِمْ) (النساء: 34)، ولما يغلب على المرأة من عاطفة تجعلها تتعجل في اتخاذ قرار يؤثر على كيان الأسرة برمتها، وذهب السادة الحنفية إلى أنه يلزم الوفاء بهذا الشرط، إذا بدأت به الزوجة وقبِل به الزوج فلها أن تطلق نفسها إذا أرادت، لأن التفويض وقع قبل الزواج، ومع ترجيحنا لقول الجمهور، ولكن في هذه المسائل ومع وجود الخلاف الفقهي فيراعى فيها ما تقرره محاكم الأحوال الشخصية، لأن قراراتها ملزمة، ما دامت لا تخالف القطعي من الشريعة، ومن ارتضى بمقتضيات العقد لدى القضاء في أوله التزم بتحمل تبعاته.
وأما جعل أمر التفريق بيد الزوجة بعد إبرام عقد النكاح والدخول بها فهذا يطلق عليه عند الفقهاء التفويض أو التخيير، فقد أجازه الفقهاء من حيث الأصل لثبوته بالقرآن والسنة، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) (الاحزاب)، تقول عنها السيدة عائشة رضي الله عنها: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ، بَدَأَ بِي، فَقَالَ: (إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ، قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29]، قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ)(2) ، واختلف الفقهاء في مدة التخيير، فالجمهور قيدوه بالمجلس الذي خيّرها فيه في أمر تطليق نفسها، ولا طلاق بمفارقته، وذهب الحنابلة إلى دوام هذا الحق لها ما لم يرجع الزوج عن تخييره أو يقع جماع بينهما، فيزول هذا الحق، فالنبي عليه الصلاة والسلام، طلب من عائشة رضي الله عنها أن لا تستعجل وأن تشاور أبويها، وخروجها أو حضورهما بغيابه ينهي مجلس الابدان وهو المعتمد عند الجمهور، ومع وجاهة قول الحنابلة إلا إنني أرى في هذه المسألة ولاسيما عندما يحصل فيها نزاع، ينبغي مراعاة ما تختاره قوانين الاحوال الشخصية بما لا يخالف القطعي من أحكام الشريعة، لأن حكم القاضي يرفع الخلاف والنزاع، كما أنه مجبر وملزم للطرفين.
(1)أخرجه البخاري ومسلم.
(2)أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له.
- الموضوع الفقهي
- الزواج
- عدد القراء
- 165