- الباب الفقهي
- فقه الأسرة (الأحوال الشخصية)
- المفتي
- لجنة الفتوى في المجمع الفقهي العراقي
- عنوان الفتوى
- التجنيس بجنسية دولة غير إسلامية
- السؤال
- ما حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية، في حالات التهديد بالقتل أو ما شابه ذلك مما يضطر الشخص إلى عدم البقاء في بلده ؟
- الجواب
-
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام غعلى رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
الجنسية هي الصفة التي تلحق بالشخص من جهة انتسابه لشعب أو أمة في دولة، وعرَّف فقهاء القانون الجنسية بأنها: نظام قانوني تضعه الدولة؛ لتحدد ركن الشعب فيها، ويكتسب الفرد به صفة تفيد انتسابه إليها، فهي رابطة تنظيمية، تُنشئها الدولة بالقانون، وتُحدد الحقوق والواجبات بين الفرد والدولة التي ينتمي إليها. وأختلف الفقهاء المعاصرون هل أن الشريعة الإسلامية عرفت التجنس أم لا، على قولين، يرى المعارضون أن الجنسية غير معروفة عند المسلمين، وأنه لا جنسية في الإسلام، باعتبار أنه دين ينهض على العقيدة العالمية، التي لا تقبل مثل هذا الحاجز السياسي والقانوني، وأما المؤيدون فيرون أن الدولة الإسلامية عرفت التجنُّس بجنسيتها المكتسبة، وذلك بالدخول في دين الدولة الإسلامية والإقامة فيها، أو الدخول في ذمَّة الدولة الإسلامية، وإن لم يطلق عليه الفقهاء اصطلاح الجنسية، إذ وضعت وثيقة المدينة- التي أصدرها النبي عليه الصلاة والسلام لتكون دستورًا للمدينة المنورة بجميع قاطنيها من المسلمين واليهود- أسس فكرة الجنسيَّة كما عرفها الفقه المعاصر، وجاء في «شرح كتاب السير الكبير»: من سكن قرية يعد من أهلها، وقوله: (يعد من أهلها): أي ينتسب إليها، فنسبة الشخص لبلد أو قرية وإن لم تكن من بلاد الإسلام لا ينقص من إسلامه في شيء، ويمكن أن تستعمل هذه الجملة بصيغتها كقاعدة في مسألة التجنس، وقد صدر عن منظمة المؤتمر الإسلامي وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام، جاء في المادة الثامنة منها: «لكل إنسان الحق في التمتع بجنسية، ولا يجوز حرمانه من جنسيته تعسفًا». وأما التجنس فهو: طلب انتساب إنسان إلى جنسية دولة من الدول وموافقتها على قبوله في عداد رعاياها، يقيم فيها ويتمتع بالحقوق الأساسية والسياسية، وينشأ عن ذلك التجنس خضوع المتجنس لقوانين الدولة التي تجنَّس بجنسيتها، ومشاركته في بناء الدولة والتزام الدفاع عنها في حال الحرب. لا خلاف على جواز التجنس بجنسية دولة مسلمة، وأما التجنس بجنسية دول غير اسلامية فمسألة حادثة، واختلف فيها الفقهاء المعاصرون على أقوال: المنع، والجواز بشرط المحافظة على الدين والتمسك به، وعدم الذوبان في مجتمع غير مسلم، والجواز عند الضرورة، ومنهم من فصل هذه الضرورة، كما لو كان مضطهداً في دينه في بلده المسلم ولم يقبله أحد سوى حكومات غير إسلامية، أو لأنه ولد في تلك الدولة أو هو من الأقليات فيها. ونرى أن الأحوال والدوافع وراء التجنس بجنسية الدول غير الإسلامية متنوعة ومتعددة، ولذا فإن الأصل في التجنس بجنسية دولة غير إسلامية، هو المنع لما قد يعتريه من الموالاة والركون إلى الكافرين، لاسيما إن لم يوجد مسوِّغ شرعي، فضلا عما يراه طالب التجنس من تفضيل للدولة الكافرة وإعجاباً بها وبحكمها، وبخاصة من هو آمن في بلده المسلم يستطيع تأدية العبادات، يقول الله تعالى : ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ١١٣ ﴾(1)، ويقول سبحانه : ﴿ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ٨٠ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾(2)، والأصل هو الهجرة من دار غير إسلامية، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا٩٧ ﴾(3)، والآيات في هذا الباب كثيرة. ومن السُّنة النبوية : عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ»(4)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ قَالَ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا»(5)، وعن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا بعث أميراً على سرية أو جيشاً أوصاه بأمور؛ فذكرها، ومنها: «ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ»(6)، وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ»(7). فلما كان التجنُّس يلزم منه - لا محالة - ولاء المرء للدولة التي يحمل جنسيتها وخضوعه لنظامها وقوانينها، ويصير المتجنس واحداً من المواطنين له ما لهم وعليه ما عليهم، وتجري عليه أحكام مِلَّتهم في الأحوال الشخصية والمواريث، وعدم تدخُّله في شؤون أولاده إذا بلغوا السِّن القانونية عندهم سواء الذكور والإناث، وكان طلب التجنس بجنسية الدول الكافرة من غير إكراه عليها بل طلباً من المتجنس أو موافقة على قبولها - صورةً من صور موالاة الكفار والركون إليهم، وهو منهي عنه كما دلت عليه النصوص المتقدمة قريبا. ثم أن التجنس إقامة وزيادة، والأدلة واضحة في تحريم المقام بدار غير إسلامية، لاسيما مع عدم استطاعة إظهار شعائر الدين، فيحرم إجماعاً، ولا يقصد بالشعائر أداء الصلاة والصيام فحسب، وإنما الأحوال الشخصية، والمعاملات، ومنها تربية الأولاد، ومعلوم ما تتركه المجتمعات غير الإسلامية من آثار سلبية عليهم من انحلال وتسيُّب ومسخ للهوية،(تعليق شيخنا د. أحمد الطه حفظه الله: كالتي تبيح للزوجة أن تدخل صديقها بيت زوجها، ولا يحق لهذا الزوج طرد صديقها، أو القانون الذي يبيح زواج المثلي، وسباحة طلاب المتوسطة والاعدادية مختلطين بالطالبات، ولا حق له أن يكره ابنه أو بنته على ما يخالف قوانين هذه البلاد، أو يجندوا اولاده في حرب ضد المسلمين!!. )يتجرع مرارتها كل من يعيش في تلك الدول، بل قد يلزم بمحاربة المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا»(8). وأما إذا اضطر المسلم إلى التجنس بجنسية تلك الدول لإقامته وولادته هناك، أو حفاظا على حياته؛ ولم يُمـنح جنـسية دولـة إسلامية تحميه وتمكنه من العيش فيها كاللاجئين الفلسطينيين، والمطاردين في بلدانهم وقد لا يسمح له بالمقام إلا بالتجنس، والقاعدة الفقهية الكلية: أن الضرر يُزال، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وأنها تقدر بقدرها لحين حصول مخرج، فهذا جائز استثناء من الأصل، مع الحرص على إظهار دينـه ما استـطاع، والعودة إليه، وأن يعزم على الهجرة إلى بلاد المسلمين متى ما أمكنه ذلك، فالضرورات تقدر بقدرها (تعليق شيخنا الدكتور أحمد حسن الطه حفظه الله: إن لم يتأقلم ويخف شعوره الإسلامي ويستمرئ نظمهم وينخرط اولاده فيهم، ولم يبق من الاسلام إلا الاسم الى أن يتحول فيذوب،) ولذا فمن الاحتياط أن الإفتاء بالجواز يعالج كل مسألة بمفردها من غير إطلاق.
(1) سورة هود 113
(2)سورة المائدة 80 ــ 81
(3) سورة النساء 97
(4)أخرجه أبو داود 2787
(5) أخرجه أبو داود 2645 - أخرجه الترمذي 1604 وغيرهما
(6)أخرجه مسلم 1731
(7) رواه النسائي (358/1) وأحمد(5/5 )
(8)أخرجه البخاري (6874) ومسلم (98)
- الموضوع الفقهي
- التجنيس
- عدد القراء
- 197