: ما قول الفقهاء في مَن طلق زوجته في مجلس واحد ثلاثا بلفظ واحد او بتكراره ؟
- الباب الفقهي
- فقه الأسرة (الأحوال الشخصية)
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- الطلاق الثلاث في مجلس واحد
- السؤال
- : ما قول الفقهاء في مَن طلق زوجته في مجلس واحد ثلاثا بلفظ واحد او بتكراره ؟
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فان الطلاق بلفظ الثلاث في مجلس واحد او تكرار اللفظ في مجلس واحد ولم يُرد به تأكيد الطلاق، فهذا مما اختلف فيه الفقهاء -جزاهم الله خيرا -قديما وحديثا، ولأهمية هذا الأمر وشهرته بين الناس في وقتنا الحاضر، وعموم البلوى به، سأنقل خلاف أهل العلم وأقوالهم في هذه المسألة المهمة.
القول الاول: إنه طلاق محرّم لكنه يقع ثلاثا، وهذا قول جمهور أهل العلم ومنهم؛ الأئمة الأربعة المتبوعين، وجمهور من الصحابة والتابعين.
القول الثاني: إنه طلاق محرم ويقع طلقة واحدة رجعية، وهو قول طائفة من الصحابة، وكثير من التابعين ومن بعدهم منهم؛ طاووس ومحمد بن اسحق، وبه قال داود الظاهري وأكثر أصحابه وبعض أصحاب أبي حنيفة وقول للمالكية والحنابلة، وانتصر له شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه إبن القيم الجوزية، وغيرهم من السلف والخلف، وهو مذهب الزيدية والامامية ايضا.
والمفتى به: وبعد هذا العرض لأقوال الفقهاء وأدلتهم يترجح القول الثاني: (أن الطلاق ثلاثا بلفظ واحد، إنه طلاق محرم ويقع طلقة واحدة رجعية)؛لقوة أدلتهم ومطابقته لواقعنا المؤلم الآن والذي يجهل فيه المسلمون خطورة هذا الطلاق وما يترتب عليه، ورفعا للحرج عن الناس؛ وتقليلا لحوادث الطلاق؛ وفرارا من مفاسد التحليل. وكذلك لم يثبت في الأدلة الشرعية الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس ما يوجب لزوم الثلاثة له، ونكاحه ثابت بيقين، وامرأته محرمة على الغير بيقين، وفي إلزامه بالثلاث إباحتها للغير مع تحريمها عليه، وذريعة إلى نكاح التحليل الذي حرمه الله ورسوله ﷺ، هذا هو الاصل، ولكن لو رأى القاضي المصلحة بأخذ برأي سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وإقرار الكثير من الصحابة له في إيقاعه ثلاثا من باب التعزير فله ذلك اعمالا للأدلة حسب موردها، والله تعالى اعلم.
وكذلك لا يقع الطلاق بتكراره وقصد تأكيد الاول، لا أن يؤسس طلاقا أخرا،قال الإمام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب في شرح روض الطالب [3/357]: (لو كرر يمين الإيلاء مرتين فأكثر وأراد بغير الأولى التأكيد لها، ولو تعدد المجلس وطال الفصل صدق بيمينه كنظيره في تعليق الطلاق، وفرق بينهما وبين تنجيز الطلاق بأن التنجيز إنشاء وإيقاع والإيلاء والتعليق متعلقان بأمر مستقبل فالتأكيد بهما أليق أو أراد الاستئناف تعددت أي الأيمان ولو أطلق بأن لم يرد تأكيدا ولا استئنافا فواحدة إن اتحد المجلس حملا على التأكيد).
ملاحظة للفائدة: علما أن هذا القول (وقوع الثلاث واحدة رجعية في مجلس واحد) أفتى به مجموعة من فقهاء المذاهب الأربعة قديما وحديثا، وقد ألف الأستاذ سليمان العمير رسالة بعنوان: (تسمية المفتين أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة) ذكر فيها جماعة ممن كان يفتى بذلك : فمن الحنفية: محمد بن مقاتل الرازي من أصحاب أبي حنيفة توفي سنة 248ه، وشيخ الأزهر ومفتي مصر عبد المجيد سليم الحنفي توفي سنة 1374هـ. ومن المالكية: محمد الخشني القرطبي، توفي سنة 286هـ، وأحمد بن بقي بن مخلد الأندلسي من علماء قرطبة قاضي الجماعة توفي سنة 324هـ، وأحمد بن محمد الصدفي الطليطلي كبير فقهاء طليطلة توفي سنة 459هـ وذكر في كتابه المقنع أن هذا قول جمع من فقهاء قرطبة، وممن يميل إلى هذا القول: القاضي أبو الوليد بن رشد الفقيه المالكي الأندلسي المتوفى سنة 595هـ حيث ذكر اختلاف الفقهاء في هذه المسألة في كتابه بداية المجتهد، ثم قال: وكأن الجمهور غلبوا حكم التغليظ في الطلاق سدا للذريعة، ولكن تبطل بذلك الرخصة الشرعية والرفق المقصود في قوله تعالى: ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: من الآية 1]، وهذا كالصريح في الدلالة على ميله إلى هذا القول. ومن الشافعية:محمد بن القاسم بن هبة الله قال عنه ابن كثير أتقن المذهب والخلاف، وكان يفتي في مسألة الطلاق الثلاث بواحدة توفي سنة 624هـ، وابن كثير صاحب التفسير توفي سنة 774هـ ومن الحنابلة: أبو البركات ابن تيمية جد شيخ الإسلام توفي سنة 652هـ، وشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية توفي سنة 728هـ، وابن قيم الجوزية توفي سنة 751هـ، ويوسف بن مرعي الكرمي توفي سنة 1078هـ، فهؤلاء بعض من كان يفتي بهذا القول من أتباع المذاهب الأربع، وأكثرهم قبل شيخ الإسلام ابن تيمية وقد صار هذا القول (رد الثلاث إلى واحدة) هو المعمول به في كثير من المحاكم الشرعية في الدول الإسلامية، وبه يفتي كبار الفقهاء من جميع المذاهب من المتأخرين. والله تعالى اعلم
- الموضوع الفقهي
- الطلاق
- عدد القراء
- 155