ما حكم الطلاق المعلق؟ قلت لزوجتي في غضب: إن ذهبت إلى بيت أختك فلانة فأنت طالق، ولكنني تراجعت عن ذلك، وأود أن آذن لها بالذهاب إلى بيت أختها، فهل يجوز لي ذلك؟
- الباب الفقهي
- فقه الأسرة (الأحوال الشخصية)
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- الرجوع في الطلاق المعلق
- السؤال
- ما حكم الطلاق المعلق؟ قلت لزوجتي في غضب: إن ذهبت إلى بيت أختك فلانة فأنت طالق، ولكنني تراجعت عن ذلك، وأود أن آذن لها بالذهاب إلى بيت أختها، فهل يجوز لي ذلك؟
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ما صدر عن الأخ السائل الكريم يُعرف عند أهل العلمبـ: (الطلاق المعلق)، أي أنه علق طلاقها على شرط، وهو ذهابها إلى بيت أختها فلانة، وقد اختلف العلماء في وقوع الطلاق المعلق عند تحقق الشرط المعلق به على ثلاثة اقوال:
القول الاول: يقع عند جمهور أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة المتبوعين -رضي الله عنهم- إن تحقق الشرط المعلق عليه، وهو هنا ذهابها إلى بيت أختها فلانة، بغض النظر عن قصد الزوج بهذا اللفظ هل قصد منعها من الذهاب أم قصد طلاقها فعلاً إن ذهبت.
القول الثاني: بعدم وقوع الطلاق المعلق، وهو قول ابن حزم الظاهري.
القول الثالث: التفريق بالقصد والنية.
والمفتى به: هو القول الثالث من التفريق بالقصد والنية، وخاصة أن المسألة مسألة اجتهادية لم يرد فيها نصوص صريحة لا من الكتاب ولا من السُّنة. فاذا كان قصد المطلِق فيه مجرد الحمل على فعل أو المنع منه، أي بقصد اليمين للمنع والتهديد فحينئذ لا يقع وعليه كفارة يمين، ويقع الطلاق عند تحقق الشرط إذا كان الطلاق هو المقصود.
أما بخصوص تراجع الرجل عن تعليق طلاق امرأته على شرط، فهل له أن ينقضه قبل وقوع الشرط أو أن يتنازل عنه كما في هذه المسألة؟
فقد ذهب جمهور العلماءإلى أنه ليس لمن علق طلاق امرأته على شيء أن يرجع في ذلك، بل إنه لازم له لا يمكنه إبطاله، لا فرق في ذلك بين ما إذا كان قاصداً وقوع الطلاق عند الشرط وبين ما إذا كان قاصداً اليمين، وذلك بأن يكون كارهاً الشرط والجزاء، لأن لفظ الطلاق صدر معلقاً على وصف؛ فلا رجوع فيه ولا يمكن إلغاؤه كلفظ الطلاق غير المعلق، ولأن التعليق توقيت محض لوقوع الطلاق في الحقيقة أخره إلى الوقت المعين لحاجة، بمنزلة تأجيل الدين، وبمنزلة من يؤخر الطلاق من وقت إلى وقت لغرض له في التأخير، فحقيقة الطلاق المعلق أنه إيقاع مؤقت.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى جواز رجوعه: لأن هذا حق له فإذا أسقطه فلا حرج، لأن الإنسان قد يبدو له أن ذهاب امرأته إلى أهلها يفسدها عليه، فيقول لها: إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق، ثم يتراجع ويسقط هذا. وهو ما ذهب إليه بعض الحنابلة فقالوا: إن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك وإبطاله، وذلك بالتخريج على رواية جواز فسخ العتق المعلق على شرط، قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: (ولا يبطل التدبير برجوعه فيه، وإبطاله وبيعه ثم شراؤه كعتق معلق بصفة ،وفيه رواية في الانتصار والواضح: له فسخه كبيعه، ويتوجه في طلاق). قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – في الشرح الممتع على زاد المستقنع: (إذا قال: أنا أريد أن ألغي الطلاق كله، ففيه قول في المذهب أن له ذلك؛ قياساً على أن الإنسان إذا قال لعبده: إذا جاء رأس الشهر فأنت حر فإن له أن يرجع، فإذا جاز أن يرجع في العتق، وهو أشد نفوذاً من الطلاق وأحب إلى الله، فلأن يجوز ذلك في الطلاق من باب أولى، وشيخ الإسلام - رحمه الله - في هذه المسألة قال: إن كان التعليق من باب المعاوضة فله الرجوع، مثل أن يقول: إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق، فله الرجوع ما لم تعطه؛ لأنه ما تم العوض). وقال أيضا في الشرح الممتع :(الجمهور يقولون: لا يمكن أن يتنازل؛ لأنه أخرج الطلاق مِنْ فِيهِ على هذا الشرط، فلزم كما لو كان الطلاق منجزاً، وشيخ الإسلام يقول: إن هذا حق له فإذا أسقطه فلا حرج ).
والمفتى به : هو جواز الرجوع في الطلاق المعلق قبل وقوع الشرط المعلق به إذا لم يقصد الطلاق بل قصد التهديد والمنع وعليه كفارة يمين، وإن فتح باب الرجوع عن الطلاق المعلق هو الأنسب والأولى في هذا الوقت، لاسيما أنه قول عند الحنابلة واختاره شيخ الإسلام، لأن فيه تيسيراً على الناس، وفيه محافظة على الأسرة من التفكك ،وصلة الأرحام، ولتفشي الجهل بخطورة هذا الأمر، فقد يكون ذلك الطلاق المعلق قد صدر عنه في وقت كانت علاقته سيئة مع شقيقة زوجته ثم تحسنت العلاقة بينهما، فأراد أن يأذن لزوجته بالذهاب إلى بيت أختها فلماذا لا يمكنه التراجع؟!
والمسألة محل اجتهاد، وإن من أهل العلم من يرى أن الطلاق المعلق لا يقع مطلقا، وقد أخذت بذلك بعض قوانين الأحوال الشخصية في بعض البلدان الإسلامية، وقد جاء في قانون الأحوال الشخصية المغربية أن (الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه لا يقع)، وقانون الأسرة الليبي رقم 10 لسنة 1984م أنه (لا يقع الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه)، وقانون الأحوال الشخصية الكويتي أنه (يشترط في الطلاق أن يكون منجزاً)، وهو ما يفهم منه أن الطلاق غير المنجز لا يعتبر، وهناك ممن أخذ بهذا القول من الفقهاء المعاصرين. فجواز الرجوع فيه من باب أولى، والله تعالى أعلم .
- الموضوع الفقهي
- الطلاق
- عدد القراء
- 180