هل يجوز أن يجعل الزوج العصمة بيد زوجته في العقد إذا اشترطت ذلك ؟ وما حكم تفويض الزوج زوجته في أمر تطليقها بعد العقد عليها؟
- الباب الفقهي
- فقه الأسرة (الأحوال الشخصية)
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- جعل العصمة في يد الزوجة
- السؤال
- هل يجوز أن يجعل الزوج العصمة بيد زوجته في العقد إذا اشترطت ذلك ؟ وما حكم تفويض الزوج زوجته في أمر تطليقها بعد العقد عليها؟
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه من والاه، أما بعـد:
فإن السؤال يتضمن حكمين هما:
الأول: حكم جعل العصمة بيد المرأة، فقد اختلف الفقهاء في اشتراط المرأة في عقد زواجها أن يكون أمر الطلاق بيدها - ما يسمى الآن بالعصمة- ووافق الزوج هل يصح هذا الشرط؟ هناك اتفاق بين الفقهاء على أن المرأة إذا اشترطت على زوجها شرطا في العقد؛ إذا كان لا يُخل بمقتضى العقد، وكان فيه لها منفعة شرعية، جاز وإلا يعتبر شرطا مهدورا ويبقى العقد قائما.
وأما إذا اشترطت أن يجعل أمر تطليقها بيدها متى شاءت، قبل عقد النكاح أو أثناء مباشرته وهي ما تسمى بالعصمة، فقد اختلف الفقهاء فيه على ما يأتي:
1- ذهب الشافعية والحنابلة إلى بطلان الشرط وصحة العقد ولا إعتبار لهذا الشرط، لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:من الآية 34]، والطلاق فرع عن جعل القوامة للرجل، وبالتالي فإن الطلاق في الأصل هو من حق الرجل، وهذا هو الذي يتفق مع الفطرة، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ ،وفي رواية: إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا)) رواه الدار قطني والبيهقي وغيرهما وصححه الشيخ الالباني.
2- وقال المالكية: لو شرطت المرأة عند النكاح أن أمرها بيدها متى أحبت، فهذا العقد مفسوخ إن لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها ثبت النكاح ولها صداق المثل، وألغي الشرط فلا يعمل به لأنه شرط مخل.
قال الخرشي – رحمه الله- في شرحه لمختصر خليل المالكي [3/196] س: (ومما يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل إذا شرط أن يؤثر عليها غيرها أو يؤثرها على غيرها أو لا يعطيها الولد أو على أن أمرها بيدها وإذا عثر على الشرط المناقض بعد الدخول ثبت النكاح وألغي أي أبطل الشرط المناقض).
3- وذهب الحنفية على أنه يلزم الوفاء بالشرط ،إذا كانت البداية من الزوجة فقالت زوجتك نفسي على أن أمري بيدي وقبِل الزوج ذلك جاز لها أن تطلق نفسها إذا أرادت؛ لأن التفويض وقع قبل الزواج، ولم يعلق عليه توقع التفويض قبل أن يملك الطلاق .
وأما إذا بدأ الزوج واشترط فقال: تزوجتك على أن أمرك بيدك فالنكاح صحيح ولا يكون أمرها بيدها، فيلغى هذا الشرط كما ذهب اليه الجمهور.
قال الامام ابن عابدين – رحمه الله- في حاشيته: (ولو قال لها تزوجتك على أن أمرك بيدك فقبلت جاز النكاح ولغا الشرط ؛ لأن الأمر إنما يصح في الملك أو مضافا إليه ولم يوجد واحد منهما، بخلاف ما مر فإن الأمر صار بيدها مقارنا لصيرورتها منكوحة ).
لقول النبي عليه الصلاة والسلام :(( إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ، مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ)) رواه الترمذي وابن داود والنسائي وأحمد، مع بقاء حق الطلاق له أيضا.
فتقول له (طلَّقتُ نفسي)، ولا تقول لزوجها (أنت طالق)؛ لأن الرجل ليس محلا للطلاق، إنما محله المرأة، وله أن يطلق زوجته بنفسه، وله أن يوكل غيره في تطليقها، ولا يعني هذا إسقاط حقه في الطلاق.
والمفتى به : هو ما ذهب إليه الجمهور من صحة العقد وإلغاء هذا الشرط وعدم اعتباره، والعلة من عدم جعل عصمة النكاح بيد الزوجة؛ لطبيعة المرأة العاطفية الانفعالية التي قد تدفعها لإساءة التصرف، فتُطلق نفسها لأهون الأسباب، فتهدم بيت الزوجية.والله تعالى اعلم.
الثاني: حكم تفويضها بالطلاق بعد العقد عليها.
وأما تفويض الزوج في المجلس لزوجته أن تطلق نفسها بعد العقد عليها، وما يسمى أيضا بالتخيير، ويكون بعد إبرام عقد النكاح والدخول بالمرأة، فقد أجازه أكثر الفقهاء، ونُقل الإجماع على ذلك إلا الظاهرية، لما روت أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: لما أمر رسول الله ﷺ بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: ((إني لمخبرك خبرا فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك ثم قال: إن الله تعالى قال: )يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) حتى بلغ: (فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما(الأحزاب 29)، فقلت: في أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم فعل أزواج النبي ﷺ مثل ما فعلت) . متفق عليه.
ثم اختلفوا فيما إذا فوضها هل يتقيد ذلك بمجلس التفويض فقط أم يكون على التأبيد ما لم يرجع الزوج؟
فذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية على أن التخيير والتفويض مقصور على المجلس الذي خيرها فيه في أمر تطليق نفسها، ولا طلاق بمفارقته. ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وابن مسعود وجابر -رضي الله عنهم- ؛ ولأنه خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول، وإن جعل إليها أكثر من ذلك بلفظه أو نيته أو قرينة فهو على ما جعل إليها؛ لأن النبي ﷺ قال لعائشة: ((فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك)).
وللزوج الرجوع فيما فوضه إليها قبل تطليقها؛ لأنه نوع تفويض فملك الرجوع فيه كتوكيل الأجنبي وإن وطئها كان رجوعا لدلالته على رغبته فيها ورجوعه عما جعل إليها.
قال الإمام المرغيناني الحنفي –رحمه الله- في الهداية [1/237]: ( روي أن الصحابة أجمعوا على أن المخيرة لها الخيار ما دامت في مجلسها) .
وقال الإمام الشربيني الشافعي – رحمه الله- في مغني المحتاج [4/465]: (له تفويض طلاقها إليها، وهو تمليكٌ فيشترط لوقوعه تطليقها على الفور... لأن التطليق هنا جواب للتمليك، فإن أخرت بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب أو تخلل كلام أجنبي كثير بين تفويضه و تطليقها ثم طلقت نفسها لم تطلق) .
ويشترط لصحة التفويض ما يشترط في عقود التمليك كالبيع و الشراء و الهبة و ما إلى ذلك، من اقتران الإيجاب بالقبول في المجلس الواحد .
وأما الحنابلة فقد جعلوا ذلك الحق لها على التأبيد مالم يرجع الزوج أو يطأها .
قال الإمام ابن قدامة المقدسي في المغني[8/298]: (ومتى جعل أمر امرأته بيدها، فهو بيدها أبداً لا يتقيد بذلك المجلس... ولأنه نوع توكيل في الطلاق، فكان على التراخي كما لو جعله لأجنبي بقي أن نشير إلى مسألة مهمة.
وهي رجوع الزوج عن جعل عصمة الزوجية بيد الزوجة هل يقبل أم لا؟
الراجح: أن الزوج له حق الرجوع، وفسخ ما جعله لها، وعندئذ يرجع حق التطليق إليه وحده، ولو وطئها الزوج كان رجوعاً؛ لأنه نوع توكيل والتصرف فيما وكّل فيه يبطل الوكالة، وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل، كما تبطل الوكالة بفسخ التوكيل).
والمفتى به : هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن التفويض مقيد بالمجلس ولا طلاق لها بعد مفارقته، وإذا طلقت نفسها منه في المجلس فيقع طلاقا رجعيا لا بائنا على الراجح من أقوال الفقهاء، فيحق له مراجعتها أثناء العدة، فإذا انتهت العدة ولم يراجعها أصبح الطلاق طلاق ببينونة صغرى، فلا يراجعها إلا بمهر وعقد جديد.
والله تعالى أعلم.
- الموضوع الفقهي
- الطلاق
- عدد القراء
- 163