هل يجوز للمرأة المريضة التي لا تستطيع الحمل باتفاق الأطباء لمرض في رحمها أن تضع طفل الانابيب منها ومن زوجها في رحم امرأة أخرى ؟ بارك الله فيكم
- الباب الفقهي
- فقه الأسرة (الأحوال الشخصية)
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- حكم استئجار الرحم _ الام البديلة
- السؤال
- هل يجوز للمرأة المريضة التي لا تستطيع الحمل باتفاق الأطباء لمرض في رحمها أن تضع طفل الانابيب منها ومن زوجها في رحم امرأة أخرى ؟ بارك الله فيكم
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعـد:
فهذه العملية تسمى بتأجير الرَّحِم أو الام البديلة؛ وتتم باستخدام رحم امرأةٍ غير الزوجة؛ لحمْلِ تلقيح مكوَّن من نطفة رجُل وبويضة من زوجته، وتَحمل المرأة المستأجرة الجنين وتضعُه، وبعد ذلك يتولَّى الزَّوجان رعايةَ المولود، ويكون ولدا قانونيا لهما. وهذه من الامور المحدثة مع تطور العلم حيث ظهر ما يعرف بأطفال الأنابيب؛ وهي عملية يتم فيها تلقيح البويضة خارج رحم الأم في معامل متخصصة، ومن ثم يتم إعادة زرع الجنين في رحم الأم بعد فترة معينة إلى أن تحين فترة الولادة، فمن الواضح أن هذه العملية تتم بالكامل خارج جسم المرأة، وهذه تجوز ولا اشكال فيها، ومن الممكن أن يتم زرع هذا الجنين في رحم مستأجر من امرأة أخرى غير التي أخذت منها البويضة، كما في عملية تأجير الرحم وهنا يقع الاشكال.
فقد ذهب جماهيرُ العلماء المعاصرين، وأغلب المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والمرجعيات الدينية إلى تحريم إجارة الرحم، حيثُ صدر قرار مجمع البحوث الإسلاميَّة في الازهر الشريف بمصر، وقرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في مكةالتابع لرابطة العلم الإسلامي، وكذلك المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بعدم الجواز مطلقا، وذلك للمفاسد المترتبة على هذه العملية، فالله تعالى أمر بحفظ الفروج في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ العَادُونَ﴾ [المؤمنون: 5 – 7].
فرحِم المرأة ليس من الأشياء التي تقبل البذْل والإباحة بأي صورة؛ إلا بالصورة الشرعيَّة التي شرعها الله تعالى وهي النكاح. والإنسان مأمور بأن يحفظ نسبه ويحفظ أولاده، ولا شك أن هذا التأجير يحصل به اختلاط الأنساب والتداخل فيها ويكون في ذلك شبهة، وفي ذلك تداخل في النسب بحيث يتنازع على الولد الزوجة الأصلية والمؤجرة ولا يدرى لأيتهما يلحق، ولو ألحق بإحداهما فإن ذلك ليس بيقين، وقد حدثت بسبب ذلك مشاكل لا حصر لها في الدول التي تبيح هذه العملية.
وقال العلماء: بعدم مشروعيَّة هذا الحمل، لعدم وجود علاقة شرعية بين صاحبة الرَّحِم وصاحب المني فالحمل الشَّرعي لا بدَّ أن يكون من زوجين، وكذلك صاحب الحيوان المنوي ليس له حقُّ الاستمتاع بصاحبة الرَّحِم؛ لذا لا حقَّ له في شغلِ رحِمِها بحملٍ ليس منها وليس لها، وأنَّه يفسد معنى الأُمومة الحقيقيَّة التي فطَرها الله عليْها؛ إذ غايةُ ما هنالك إقرار بويضةٍ بدون عناء ولا مشقَّة، بيْنما التي حملتْها عانتْ آلام الحمل، وتغذَّى بغذائِها حتَّى غدا بضعة منها.
‘نَّ فتح هذا الباب قد يؤدِّي إلى انتِشاره، وأن تسلكه كلُّ مَن أرادت أن تُحافظ على صحَّتها ورشاقة بدنِها، فيتحوَّل الإنجاب بِهذه الطريقة إلى مفاخرة ومتاجرة. وهذه العملية لا تدخل في باب الإجارة الشرعية، لأن أحكام عقد الإجارة لا يمكن إيرادها على إجارة الرحم، لعدم قبول الرحم لأحكام هذا العقد، ولاختلال أكثر شروط صحة هذا العقد عند إجارة الرحم للحمل، ذلك أن المنفعة فيه مجهولة ومحرمة، ويترتب على استيفائها الوقوع في محظور شرعي. وكذلك لا يمكن إيراد أحكام عقد الإعارة على إعارة الرحم للحمل، لعدم قبول الرحم لأحكام هذا العقد، لأن المنفعة مما حرمها الشرع لغير زوج، وطالما كانت أحكام العقدين يتعذر تطبيقها على إجارة الرحم أو إعارتها للحمل، فلا يجوز شرعاً.
قال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين – رحمه الله تعالى-: ( وتأجير الأرحام بدعة من بدع الحضارة الغربية وهو حضارة مادية صرفة لا تقيم للمبادئ والقيم الأخلاقية وزناً والواقع أن عملية تأثر الصفات الوراثية أو اختلاط الأنساب، الحكم الشرعي غير محتاج إليه فسواء ترتب عليه تأثر وراثي و لم يترتب وسواء ترتب عليه اختلاط أنساب أو لم يترتب، لأن الحكم الشرعي في تحريم هذه البدعة له سند آخر هو أن الرحم تابع لبضع المرأة والبضع لا يحل إلا بعقد شرعي كامل الشروط والأركان، فالرحم إذن وقف على الزوج العاقد على المرأة عقداً صحيحاً ولا يحل لغيره أن يشغله بحمل دخيل.
أما إذا كانت المؤجرة لرحمها غير ذات الزوج فإنها تكون قد أباحت بضعها ورحمها لرجل أجنبي لم تحل له ولم يحل لها وهذا وإن لم يكن زنىً كاملاً فهو حرام قطعاً لتمكين الرجل الأجنبي عنها في وضع مائه التناسلي فيه).
وقال بعضُ المعاصرين بجواز إجارة الأرحام مطلقا، سواء كانت صاحبة الرَّحِم زوجةً أُخرى أم لا،واستدلوا بالقياس، حيثُ قاسوا الأم صاحبةَ الرَّحِم على الام من الرَّضاع، وهذا قياسٌ مع الفارق لا أساس له من الصحة؛ لأن هناك فرقًا واضحا بين المقيس والمقيس عليه؛ حيثُ إنَّ الرَّضاع يثبت لطِفلٍ ثابت النَّسب بيقين، فلا إشكال في إرضاعه، ومن الممكن أن تتوقف عن إرضاعه بناء على طلبها أو طلب الأم الأصلية عند شعورها بأي خطر بالإضافة، وقد دلَّ على رضاعِه القرآن الكريم، أمَّا استِئْجار الرَّحم، فهو يحصل لمن لم يثبُت نسبُه بعد. وقد أكد الله تعالى بأن الأم الطبيعية التي حملت به شرعا وغذته من دمها هي المعترف بها والمقصودة في الآيات، لا الام البديلة قال الله تعالى: ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾[المجادلة:2]، وقوله تعالى: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾ [الزمر:6]،وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾[النجم:32]، وقوله الله تعالى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ﴾ [لقمان:14] . فإن الأم في هذه الآيات هي الأم الشرعية لا المستأجرة ولا يجوز التلاعب بها.
الخلاصة والمفتى به: هو عدم جواز اجارة الرحم مطلقاً؛ ولا فرقَ في أن تكون صاحبة الرَّحِم البديل زوجةً أُخْرى لصاحب الحيوان المنوي أو لا على الراجح؛ وذلك لصحة وقوة ما استدلَّ به جمهور العلماء الذين قالوا بتحريم هذه العملية، ولأن الأنساب في الإسْلام من ضروريات مقاصد الشريعة التي يجب حفظها، وذلك بالابتعاد عن كلِّ ما يُخِلُّ بها أو يضعفها، والله تعالى أعلم.
- الموضوع الفقهي
- إجار الرحم
- عدد القراء
- 179