- الباب الفقهي
- الطلاق
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- طلاق الثلاث في مجلس واحد
- السؤال
- رجلٌ طلق امرأته ثلاثاً في حالة غضب ولكنه لم يصل إلى درجة الإغلاق، فماذا يفعل؟
- الجواب
-
قبل الحديث عن الطلاق لا بد من التذكير بعقد الزواج الذي سماه الله عز وجل ميثاقًا غليظًا فقال (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً) (1) والاستفهام هنا استنكاري عن أخذ الرجل المهر من المرأة بعد الدخول، والميثاق الغليظ الذي أخذنه من الرجال هو الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان، وليس من التسريح بإحسان الطلاق في ساعة غضب عابر؛ وليس منه الطلقات الثلاث في مجلس واحد؛ بل في هذه الصورة سفه وحماقة لا تليق بالرجولة. وقد بيَّن الدستور الإلهي للمسلمين أمورًا لا بد من الوقوف عندها في العلاقة الزوجية:
-بيَّن أولاً أنَّ القوامةَ في هذه العلاقة للرجلِ (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) فالمرأة المسلمة ترضى بحكم الله هذا ولا تستبدله بحكم الغرب الذي يدَّعي أنه ساواها بالرجل وهو ظلمها.
- وبيَّن ثانيًا المرأةَ الصالحةَ التي تبني البيتَ المسلمَ (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) أي تطيعُ وتحفظ كلَّ ما غاب عن علم زوجها؛ ويدخل في ذلك صيانة نفسها وحفظ ماله وبيته وأسراره.
- ثم بيَّن ثالثًا نشوز المرأة وعصيانها لأمر الزوج؛ وكيف قدَّم العلاج قبل أن يواجه بالانفصال فقال (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) أي ترَفَّعْهن عن طاعة الزوج؛ مثل هذه المرأة المتمردة رسم الدستور الإلهي برنامجًا عمليًا تفصيليا لمن أراد التسريح بإحسان لها وكما يأتي:
الخطوة الأولى: إذا أحس الرجل بنشوزٍ من المرأة وترفعِها عن الاستجابة له فعليه أن يعظها باللسان أولاً (فَعِظُوهُنَّ) والمأمور بتقديم الموعظة هو الزوج؛ والوعظ هو الكلام العاطفي الذي يذكر بأمر الله ويهدف إلى ترقيق القلب وتهذيب النفسِ.
الخطوة الثانية: فإذا لم تُجدِ الموعظةُ وازداد ترفعُ المرأةِ يأتي علاج الهجر في المضجع (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)وهو أن يدير ظهره لها في مخدع الإغراء؛ ولا يكلمها في محاولةٍ لإيصال رسالة مفادها أنها ستحرم من العلاقة التي وصفها الله بـالسكن والمودة والرحمة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (2).
وفي الهجر يلاحظ أن لا يكون الهجر إلا في مخدع الزوجية (المضجع) لأنَّه أكثرُ أثراً في نفس الزوجة، وأنْ لا يكونَ أمام الأطفال حتى لا يؤثر في نفسيتهم، وأن لا يكون أمام الغرباء حتى لا يمثل إذلالاً لها.
الخطوة الثالثة: إذا فشلت الخطوتان السابقتان تأتي هذه الخطوة (وَاضْرِبُوهُنَّ) ضربَ تأديبٍ غير مبرح، والضربُ بغيضٌ كالطلاقِ ولكنْ إنْ كانت تريد استمرار الحياة الزوجية فالضربُ أهونُ من الطلاقِ وهو قد يردع.
وفي الذين يضربون الأزواج قال صلى الله عليه وسلم (لا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ)(3) فإنْ نفعَ ذلك فنعم ما هو؛ لذا قال بعدها (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (4).
الخطوة الرابعة: التحكيم لقوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (5) فالعلاقة الزوجية إذا استعصت على الإصلاح فيما بينهما فلا بأس بحكيمٍ من طرفِ الزوجة وحكيمٍ من طرفِ الزوج يحاولان معالجة الأمر بحكمتيهما؛ ويبقى الصلح خيرٌ ومن يرد الإصلاح يوفقه الله إليه.
وكل هذه الخطوات قبل أن يطَلِّق، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه (يعظها بلسانه؛ فان انتهت فلا سبيل له عليها، فان أبت هجر مضجعها، فان أبت ضربها، فان لم تتعظ بالضرب بعث الحكمين).
الخطوة الخامسة: الطلاق للمرة الأولى؛ والطلاق السني أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يقربْها فيه لأنَّه يمكنه تلافيها..
فقد طلَّق عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مرهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حتى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إن شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قبل أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ التي أَمَرَ الله أَنْ تُطَلَّقَ لها النِّسَاءُ)(6).
ثم إن أراد أن يطلِّق مرة أخرى فعليه أن يكرر الخطوات الخمس مرة أخرى للمرة الثانية ويكررها ثالثة إذا أراد الثالثة، هذا هو الطلاق السني كما شرعه الله؛ وكما بينه رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإن جمعها في طهر واحد جاز وخالف الهدي النبوي؛ وتقعُ ثلاثَ طلقاتٍ عند جمهور علماء الأمة فقد طَلَّقَ رجلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جميعا فَقَامَ صلى الله عليه وسلم غَضْبَانًا ثُمَّ قال (أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وأنا بين أَظْهُرِكُمْ)(7).
وأَوْقَعَ البعضُ الثَلَاث الطَلْقَاتٍ مَجْمُوعَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ قَبْلَ الرَجْعَة طَلْقَةً وَاحِدَةً، أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً بَعْدَ رَجْعَةٍ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا ثَلَاثٌ.
وفي المسألة تفصيل ويحتاط في الفروج ما لا يحتاط في غيرها، والأفضل أن يذهب هذا الرجل إلى المفتي (المجمع الفقهي) مع أهله وهناك يُسمعُ منهما ويقدر له الجواب المناسب.
وأما الطلاق في ساعة الغضب؛ فطلاق الغضبان على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يحصل في بدايات الغضب بحيث لا يتغير عقله ويعلم ما يقول ويقصده، وهذا لا إشكال في وقوعه عند الجميع.
الثاني: أن يبلغ النهاية فلا يعلم ما يقول ولا يريده فهذا لا ريب أنه لا ينفذ شيء من أقواله.
الثالث: من توسط بين المرتبتين بحيث لم يصر كالمجنون فهذا محل النظر، والمفتي يقدر الحالة، ولا يمكن أن تكون من خلال مجلة أو برنامج تلفزيوني؛ بل لا بد من الحضور أمام المفتي (المجمع الفقهي) للنظر فيها وتقدير درجة الغضب، والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، والله أعلم.
(1)النساء21.
(2)الروم21.
(3)أخرجه ابن ماجه 1/638، حديث رقم 1985.
(4)النساء34.
(5)النساء35.
(6) رواه البخاري 5/2011، حديث رقم 4953. ومسلم 2/1093، حديث رقم 1471.
(7) رواه النسائي (المجتبى) 6/142، الثَّلَاثُ الْمَجْمُوعَةُ وما فيه من التَّغْلِيظِ، حديث رقم 3401.
- الموضوع الفقهي
- الطلاق
- عدد القراء
- 173