- الباب الفقهي
- البيوع والتعاملات المالية
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- حُكم إحالة الطبيب المريض إلى مختبر أو صيدلية مقابل نِسبة من المال
- السؤال
- بعض الأطباء يحيل المرضى الى صيدليات معينة لشراء العلاج الموصوف، ويحيلون ايضا المرضى الى مختبر معين لعمل التحاليل، كل ذلك مقابل مبالغ من المال متفق عليها بينهم، فهل يجوز ذلك؟ جزاكم الله خيرا .
- الجواب
-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فينبغي لصاحب المهنة عموما أن لا يخالف آداب مهنته، وعلى من يمارس مهنة الطب خصوصا ان يلتزم بآداب هذه المهنة الانسانية العظمية التي فيها حياة الناس، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾*، وعليه أن يضع نصب عينيه الأمانة في نصحه للمريض ومشورته له، وأن يدله على ما هو أنفع له في علاجه وأحفظ له في ماله، وأن يلتزم بالقيم والمبادئ الإنسانية المستمدة من شرعنا الحنيف، وان يلتزم بسلوكيات المهنة وبالقسم الذي أقسم عليه عندما تخرج من كلية الطب، وبلا شك ان هناك كثيرا من الاطباء ملتزم بها فجزاهم الله خيرا، وكما لا يجوز لمن يمارس مهنة الطب أن يُقَدِّم مصلحته في ذلك على حساب مصلحة المريض، فإن خالف ذلك فهو آثم شرعًا لأنه مستشار في ذلك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» *
كما وان اغلب القوانين الدولية لمهنة الطب والمواثيق تنص على: انه لا يجوز للطبيب طلب أو قبول مكافأة أو أجر من أي نوع كان، نظير التعهد أو القيام بوصف أدوية أو أجهزة معينة للمرضى، أو إرسالهم إلى مستشفى أو مصح علاجي أو دور للتمريض أو صيدلية أو أي مكان محدد لإجراء الفحوص والتحاليل الطبية، أو لبيع المستلزمات أو العينات الطبية، أو أن يعمل وسيطاً بأجر لطبيب آخر أو منشأة صحية بأي صورة من الصور. وعليه فإنه لا يجوز شرعاً هذا الاتفاق؛ الذي يقوم به صاحب مختبر او صيدلية مع طبيب معين ليحول له المرضى لقاء نسبة من المال، ويحرم عليه أخذ هذه النسبة من صاحب الصيدلية او المختبر أو صاحب الاشعة، لما في ذلك من أكل لأموال الناس بالباطل،لأن الطبيب يأخذ مالاً في غير مقابل، ويكلف المريض تكاليف زائدة إضافة إلى العلاج والأدوية التي أصبحت مرتفعة جداً، والله تعالى نهى عن أكل أموال الناس بالباطل، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾*،
ويضاف الى ذلك لما في هذا الاتفاق من الأثرة والتحجير والضرر على أصحاب المختبرات والصيدليات الأخرى، وفيه إيهام للمريض أن هذا المختبر هو الأفضل دون غيره، فيصرف الناس لجهة معينة متفقة مع الطبيب، وهذا من الافساد والظلم والاعتداء على الاخرين، استناداً إلى قاعدة: «لا ضرر ولا ضرار» فالفعل الضار بالنفس وبالغير محرمٌ ،وكذلك لما في ذلك من المفاسد المترتبة على ذلك بناءً على قاعدة: «سد الذرائع» وهي قاعدة معتبرة عند الأصوليين وتشهد لها قواعد الشرع وأصوله، فإن الشريعة الإسلامية تسعى دائماً إلى سدِّ الطرق المفضية إلى الفساد والإفساد والحرام،فان أخذ الأطباء للعمولات من شركات الأدوية وأصحاب المختبرات والصيادلة يفضي إلى الفساد. وقد صدرت فتاوى بحرمة هذه المعاملة من دار الإفتاء المصرية، واللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، ومجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية في الأردن، وغيرها من المجامع الفقهية والشخصيات العلمية.
وتشتد الحرمة إذا ما قام الطبيب بطلب فحوصات أو صور أو أدوية لا يحتاج إليها المريض فيترتب عليه الكثير من مفاسد ومخالفات لآداب مهنة الطب وقواعد العمل فيها، وكذلك إرهاق المرضى مالياً، وتكليفه ما لايطيق من نفقات زائدة، فتفسد هذه المعاملة ذمة الطبيب وتحوله من كونه طبيباً انسانيا المفروض ان يرفق بالمريض ويخفف عنه معاناته وآلآمه، إلى إنسان جشع مادي طماع يدفعه جشعه إلى أن يتاجر بالمرضى ويزيد من آلامهم ومعاناتهم،وهذه مخالفة لأخلاقيات مهنة الطب، لذا يجب على الأطباء التورع عن هذه الأعمال، وأن يقوموا بالنصيحة لمرضاهم ابتغاء الأجر والثواب عند الله سبحانه. ويستثنى من هذا التحريم ما اذا كان الطبيب ناصحا للمريض بإرشاده الى الاصلح والافضل له، كأن يكون صاحب هذا المختبر يمتاز عن غيره من جهة الصدق والأمانة والمهنية ودقة وصحة التحاليل، فيجوز تخصيصه بالتحويل عليه لما في ذلك من مصلحة متحققة للمريض، وإعانة للطبيب على تشخيص المرض ووصف العلاج، وكذلك اذا امتازت الصيدلة بجودة الادوية وقوة فاعليتها وشهرة شركات الادوية فيها ومناسبتها للمريض، فعنئذٍ يجوز للطبيب ان يرشد المريض الى هذا المختبر او تلك الصيدلة وهو مأجور لان هذا من باب النصيحة للمسلم، لكن لا يجوز له أن يأخذ منهم نسبة من المال، لأنه أخذ مال في غير مقابل، بل عليه الالتزام بأخلاقيات المهنة والتعفف،وطلب الرزق الحلال، وابتغاء الاجر والثواب من الله تعالى . والله تعالى اعلم
*المائدة: 32
*النساء: 29
*رواه ابو داوود والترمذي وابن ماجة واحمد
- الموضوع الفقهي
- الغبن الفاحش
- عدد القراء
- 156