- الباب الفقهي
- البيوع والتعاملات المالية
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- ولائِم المقاولين وهداياهم
- السؤال
- بعض المقاولين يوثق علاقته مع المهندس المشرف على العمل ويدعوه إلى وجبة طعام في أحد المطاعم، ويسلمه هدية مالية قد تصل إلى بضعة ملايين من أجل أن لا يقوم المهندس بالتدقيق على تنفيذ العمل، ويتغاضى عن نوع المواد التي نفذ بها العمل؛ وهي في الغالب من أسوء المواد في السوق وقد تضررت المقاولات من هذه الظاهرة. فما حكم هذا الطعام والهدية؟
- الجواب
-
المقاولة عقد استصناع يتعهد المقاول (والذي يسمى في الفقه صانعًا) أو شركة مقاولات بموجبه بتقديم عمل للمستصنِع (الذي يطلب تصنيع شيئٍ ما له) بمواصفات معينة ومدة محددة ومقابل مبلغ من المال قد يسلم على دفعات، والمستصنِع قد يكون جهة حكومية أو غير حكومية، ويكون هناك حق الإشراف للمستصنِع على سير العمل.
والأصل في التعامل الإسلامي أن يكون العمل بإتقان تام لقوله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ»(1) وأبسط صور الإتقان الالتزام بالمواصفات المتفق عليها، وإلا فإن الإخلال بالشروط ظلم من المنفذ وخيانة أمانة من المهندس المشرف. والمهندس المشرف موظف يتقاضى راتبًا مقابل عمله لا يجوز له أن يقيم مثل هذه العلاقة النفعية مع المقاول، ولا يجوز للمقاول كذلك أن يدعوه لطعام ويدفع له هدية فهذا الطعام سحت وهذه الهدية رشوة، وكل ما يحصل عليه من عطايا تحت أي مسمى ليس له حق في تملكها بل تعود للصالح العام إن كان المشروع حكوميًا ولصالح الجهة التي يعمل لديها أن كان المشروع غير حكومي فقد ورد أنه «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي»(2).
وَحَقِيقَةُ اللَّعْنِ إبعادُ الملعونِ عَنْ أسباب الرَّحْمَةِ الإلهية وَمَوَاطِنِهَا، وَلَا شكّ أَنَّ من لَعنه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لحقته لعنة الله وطرد من رحمته، والراشي المعطي لمن يعينه على باطل، والمرتشي الآخذ من أجل إعانته المبطل على باطله، وقد لحقتهما العقوبة معاً لأنهما استويا في القصد.
أما إذا أعطى ليتوصل إلى حق لا يتحصل إلا بالإعطاء، أو ليدفع عن نفسه ظلماً لا يُدفع إلا به؛ فإنه غير داخل في هذا الوعيد. وتسمية ما يأخذه هذا المهندس من المقاول باسم الهدية فيه تزييف للحقيقة وتزوير للمسميات، فغرض المُهدي من الهدية استمالة قلب المهدى إليه وليس لغرض غير شرعي، وغرض الراشي من إعطاء المرتشي تحصيل منافع غير شرعية؛ وليس غرضه استمالة قلبه بل قد يكون يكرهه، ففي الهدية تودد خاص وتواصل مشترك بينهما وفي الرشوة توصل إلى مأرب خاص لا غير، والله أعلم.
(1)أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: 897، والبيهقي في شعب الإيمان: 4929.
(2) أخرجه أبو داود: 3580، والترمذي: 1337 وقال عنه حسن صحيح، وابن ماجه:2313
- الموضوع الفقهي
- الرشوة
- عدد القراء
- 178