شخص طلب من شخص أن يكفله في شراء سيارة من الشركة بالتقسيط فرفض الا ان يعطيه مبلغا من المال، فهل يجوز له أخذ هذا المال ؟ افتونا مأجورين
- الباب الفقهي
- البيوع والتعاملات المالية
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- حكم أخذ الأجرة على الكفالة وخطاب الضمان
- السؤال
- شخص طلب من شخص أن يكفله في شراء سيارة من الشركة بالتقسيط فرفض الا ان يعطيه مبلغا من المال، فهل يجوز له أخذ هذا المال ؟ افتونا مأجورين
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد عرّف الفقهاء الكفالة بأنها: عقد تبرع يقصد به الإرفاق والإحسان، وقد قرروا عدم جواز أخذ العوض على الكفالة؛ لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقرض، ولهذا فقد أجمع العلماء سلفا وخلفا على تحريم أخذ الأجرة على الكفالات؛ إلا بقدر ما يصرف الكفيل من أموال ورسوم لتسجيل الكفالة في الكاتب العدل، ولا يجوز له الزيادة على ذلك بقصد الربح من كفالته له، وذلك لسد ذرائع الوصول إلى الربا؛ لأن الربا إما أن يكون أصلاً وإما أن يتوصل إليه بذريعة.
فالكفالة من عقود الذرائع الربوية، ويتذرع بها ويتوصل إلى الربا، فصارت الكفالةُ بعوض كفالةً لقاءَ الدَين، وكأنه أعطاه الدين بالدين مع الفضل، وهو مبلغ الأجرة، فمثلا لو كفل شخص شخصاً في مال أو دَين، وأخذ أجرة على الكفالة، فإنه في حال عجز المَدين عن السداد فانه يلزم شرعاً أن يسدد عنه الكفيل، فلو سدد عنه مثلا مليون دينار أصبح المكفول مديناً للكافل بمليون دينار بالإضافة إلى المبلغ الذي اتفق عليه كأجرة، فيكون الكفيل دفع مليون وسيأخذ من المكفول المليون وزيادة، والزيادة هي الأجرة على الكفالة فيشابه قرضا جر منفعة، وذلك ممنوع شرعا.
وكذلك فإن العوض المالي إنما يستحق شرعاً في مقابلة عمل أو مال، وليس الضمان عملاً ولا مالاً، فكان أخذه بسببه من أكل أموال الناس بالباطل.
قال الإمام السرخسي – رحمه الله- في المبسوط [19/170]: ( قال أبو حنيفة ومحمد: الكفالة تبرع، وهو تبرع على الطالب بالالتزام له... والكفالة بمنزلة الإقراض، فإنه تبرع في الالتزام، وإن كان عند الأداء يرجع، كما أنَّ المُقْرِض متبرع بأداء المال، وإنْ كان له حق الرجوع في المال... لأنَّ الكفالة في الابتداء تبرع، ولكن في الانتهاء معاوضة).
وجاء في المدونة في فقه الإمام مالك [4/123]: (الكفالة عند مالك من وجه الصدقة)، وقال: (إنما الكفالة معروف)، والمراد بالمعروف أنه من قبيل الهبة والصدقة والعتق .
قال القاضي عبدالوهاب البغدادي المالكي-رحمه الله- في المعونة على مذهب عالم المدينة [ص 1232]: ( - في تعريف الضمان- وهو تطوّع بإلزام نفسه ما لم يكن يلزمه على وجه المعروف).
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي – رحمه الله- في المغني [4/395]: (لأنَّ الكفيل يلزمه الدَّيْن، فإذا أدّاه وَجَبَ له على المكفول عنه، فصار كالقرض، فإذا أخذ عوضاً، صار القرضُ جارّاً للمنفعة، فلم يجز) .
وقال الإمام ابن جرير الطبري –رحمه الله- في اختلاف الفقهاء [ص 186]: (ولو كفل رجل على رجل بمال عليه لرجل، على جُعل –أجرة- جعله له المكفول عليه، فالضمان على ذلك باطل).
وقد ذهب بعض المتأخرين والمعاصرين إلى جواز أخذ الأجرة على الكفالة، وقالوا: قد كان العمل بين الناس سابقاً أنْ تصدر الكفالة من الكفيل بلا مقابل على سبيل المعروف، ولكنْ بعد تغيّرِ الزمانِ واختلافِ الأحوالِ والأعرافِ، وكثرةِ أعباءِ الحياة وشحِّ الناس بالخير أصبح محتاج الضمان لا يجد بتاتاً من يكفله مجاناً، وخصوصاً إذا كانت الكفالة المطلوبة ذات مواصفات خاصة ومحددة كسائر الكفالات المصرفية التي تقدمها البنوك مقابل أجور، وتتكلف في سبيل القيام بها جهوداً ونفقات وأعباء لا يستهان بها، فاقتضى تغير الحال القول بجواز أخذ الأجر عليها إذا انتفت الموانع الشرعية العارضة، إذ لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، طالما أنَّ ذلك لا يتعارض مع نصّ شرعي صريح.
وهذا قول لا يعوّل عليه؛ لأن المعوَّل عليه هو: ما ذهب اليه إجماع العلماء سلفا وخلفا، من عدم جواز أخذ الاجرة على الكفالة والضمان، لأنها من عقود التبرع والمعروف، وأن التسليم لحجة المجيزين يؤدي الى قطع سبيل المعروف بين أفراد الامة وتربيتهم على الشح والبخل وعدم المبادرة في الخير وإغاثة اللهفان، وهذا يتنافى مع الأخلاق الإسلامية الحميدة.
وأما مَن عجز بعد بذل الجهد عن ايجاد من يكفله إلا بعوض، فهذا يدخل في باب الضرورة والإثم على الآخذ.
هذا ومن باب الفائدة: فقد جوّز العلماء في خطاب الضمان الذي تصدره المصارف لعملائها من الشركات والأفراد أن تستوفي المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، ويجب ان يُراعى في تقدير المصارف الإدارية لإصدار خطاب الضمان ما قد يتطلبه فعلا من نفقات دون مبالغة وإفراط حتى لا تكون ذريعة لعمليات الإقراض بفائدة، وبشرط أن يتضمن خطاب الضمان تحديد القيمة، ومدة الصلاحية، والمستفيد، بالإضافة إلى تحديد موضوع الضمان أو الغرض منه - أي مناسبة صدوره -.
الخلاصة: تحريم أخذ الأجرة أو العوض المالي على الكفالات، إلا بقدر ما يصرف الكفيل من أموال ورسوم لتسجيل الكفالة في الكاتب العدل، ولا يجوز له الزيادة على ذلك بقصد الربح من كفالته له، وذلك لسد ذرائع الوصول إلى الربا، وكذلك فإن العوض المالي إنما يستحق شرعاً في مقابلة عمل أو مال، وليس الضمان عملاً ولا مالاً، فكان أخذه بسببه من أكل أموال الناس بالباطل. وكذلك يجوز في خطاب الضمان الذي تصدره المصارف لعملائها من الشركات والأفراد أن تستوفي المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، دون مبالغة وإفراط في الأجرة حتى لا تكون ذريعة لعمليات الإقراض بفائدة.
والله تعالى أعلم.
- الموضوع الفقهي
- حكم أخذ الأجرة على الكفالة وخطاب الضمان
- عدد القراء
- 166