نحن مجموعة من النازحين من أهل المحافظات المنكوبة، بعد تحرير مناطقنا ورجوعنا اليها ؛ وجدنا في بيوتنا التي لم تُدمر كليا والحمد لله تعالى اغراضا واثاثا ليست لنا، وكذلك وجد بعضنا من المواشي الشاردة في مزارعنا والتي لا يعرف اصحابها، فما الحكم الشرعي هل يجوز لنا تملكها والانتفاع بها لعدم معرفة اصحابها ؟ بارك الله فيكم.
- الباب الفقهي
- البيوع والتعاملات المالية
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- حكم ما يجده النازحون من أثاث وغيرها بعد عودتهم لبيوتهم ومزارعهم
- السؤال
- نحن مجموعة من النازحين من أهل المحافظات المنكوبة، بعد تحرير مناطقنا ورجوعنا اليها ؛ وجدنا في بيوتنا التي لم تُدمر كليا والحمد لله تعالى اغراضا واثاثا ليست لنا، وكذلك وجد بعضنا من المواشي الشاردة في مزارعنا والتي لا يعرف اصحابها، فما الحكم الشرعي هل يجوز لنا تملكها والانتفاع بها لعدم معرفة اصحابها ؟ بارك الله فيكم.
- الجواب
-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فالحمد لله على سلامتكم ورجوعكم إلى دياركم سالمين، وبارك الله فيكم لحرصكم على دينكم وعلى أموال الناس، وتحريكم الحلال والحرام، ونسأل الله تعالى أن يعوضكم خيرا مما فقدتموه. لقد عنت الشريعة الاسلامية عنايةً كبيرة بالمحافظة على أموال المسلمين، وأمَرَت بصيانتها، وحرَّمت التعدي عليها، ونهى سبحانه وتعالى عن الغَصْب والنهب والخيانة، وأكل اموال الناس بغير حق، ورتّب على ذلك عقوبة رادعة؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾( النساء 29) وقال النبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في خُطبته يومَ النَّحْر في حجَّة الوداع: ((إنَّ دماءكم وأموالَكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحُرْمة يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدكم هذا، حتى تلقوا ربَّكم، ألاَ فلْيُبلِّغِ الشاهدُ الغائب)) (رواه مسلم)، وعن أبي هريرة –رضي الله عنه-: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كلُّ المسلِم على المسلم حرامٌ: دمُه، وماله، وعِرْضه)) (رواه مسلم).
والنصوص مِن القرآن الكريم والسُّنَّة الشريفة في هذا المعنى كثيرة جدًّا، حتى إنَّ صيانة مال المسلم وحُرْمة التعدِّي عليه أمرٌ معلوم لدَى كل من له معرفة بالشريعة، بل إنَّ ذلك معلومٌ لدَى كل مسلم.
فما وجدتموه في بيوتكم ومزارعكم من أثاث وأغراض ومواشي هي من أموال إخوانكم المهجرين والنازحين المظلومين، وهي من باب اللُّقَطَة في الشريعة الإسلامية: وهي كل مال ضلّ عنه صاحبه والتقطه غيره، والشيء الذي لا يُعرف صاحبه إن كان آدمياً فهو لقيط، وإن كان حيواناً فهو ضالة، وإن كان غير ذلك فهو لقطة، والتقاط اللقطة وتعريفها قربة وطاعة لله تعالى؛ لِمَا يحصل بها من الأجر، ولما فيها من حفظ مال الغير، والإحسان إليه، ولكن لابد من تعريفها سنة هجرية كاملة، والملتقط أمين فلو تلف المال عنده من غير تعدٍ ولا تفريط فإنه لا يضمن المال التالف، وأجرة التعريف على صاحب المال؛ والمال إن احتاج إلى نفقة فحكمه حكم التعريف، ينفق عليه الملتقط، والنفقة تكون على صاحب المال.
وقد قسم الفقهاء – جزاهم الله خيرا- المال الملتقط إلى ثلاثة اقسام وكما يأتي:
القسم الاول: المال الذي يُعلم أن صاحبه تركه رغبة عنه، كما يفعله بعض الناس من رمي لبعض الأثاث القديم، أو ترك بعض الأغراض في البرية بعد الاستغناء عنها، فهذا يجوز أخذه والانتفاع به ولا يجب تعريفه؛ لأن أصحابه تركوه رغبة عنه، فهم لا يريدونه، فتعريفه لا فائدة منه، ولأن مالكه قد أخرجه عن ملكه، وأباح لغيره أن ينتفع به.
القسم الثاني: المال الرخيص عرفا الذي لا تتبعه همة أوساط الناس، والتي تختلف باختلاف الأحوال والأماكن والأزمان، فبعض القطع التي لا تساوي شيئاً وقيمتها خسيسة لا تحتاج إلى تعريف، فيمكن أن يُتصرف بمثل هذه القطع بالتصدق بها على المحتاجين بنية أن يكون الأجر للمالك، أو يتصرف بها صاحب السكن إن كان محتاجاً والأجر للمالك أيضًا.
قال الإمام ابن قدامة المقدسي –رحمه الله تعالى- في المغني [6/351]: (ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والانتفاع به، وقد روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن عمر، وعائشة - رضي الله عنهم- وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، وطاوس، والنخعي، ويحيى بن أبي كثير، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي).
القسم الثالث: المال الذي له قيمة ولم يتركه أصحابه رغبة منهم، وتتبعه همة أوساط الناس، وهذا على نوعين:
النوع الاول: البهائم، وهي إما أن تكون مما يمتنع عن السباع كالذئاب ونحوها، مثل: الإبل والخيل، وهذه الحيوانات لا يجوز أخذها، بل تترك حتى يجدها صاحبها، لحديث زيد بن خالد الجهني – رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله –ﷺ- فسأله عن اللقطة، فقال: ((اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها))، قال: فضالة الغنم؟ قال: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب))، قال: فضالة الإبل؟ قال: ((ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)) متفق عليه .
والعفاص هو الوعاء الذي يجعل فيه النقود، والوكاء ما يربط به الوعاء.
وقوله في ضالة الإبل: ((معها حذاؤها)) أي خفها، و((سقاؤها)) أي جوفها، والمعنى: أنها تستغني بنفسها عن الحفظ بقدرتها على السير المسافات البعيدة وصبرها على العطش .
وقد علق الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- على هذا الحديث الشريف في زاد المعاد في هدي خير العباد : (وفيه جواز التقاط الغنم، وأن الشاة إذا لم يأت صاحبها، فهي ملك المتلقط، فيخير بين أكلها في الحال وعليه قيمتها، وبين بيعها وحفظ ثمنها، وبين تركها والإنفاق عليها من ماله، وأجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط، له أخذها) .
-أو أن تكون مما لا يمتنع عن السباع من البهائم وتحتاج إلى عناية وعلف، مثل: البقر والغنم والدجاج، وهذه الحيوانات يجوز لمن يجدها أن يأخذها ويتملكها وينتفع بها إن كان لا يعرف صاحبها، على يؤدي ثمنها اذا عرفه.
النوع الثاني: الأموال من غير البهائم، كالنقود والمصوغات الذهبية والأثاث والأغراض والطعام، وهذا النوع يجوز لمن وجده التقاطه، ولكن عليه أن يقوم بما يأتي: يضبط صفاته جيداً، ولا يعلنها، فالصفات بدقة لا يعرفها إلا صاحبها، ويعرِّفها سنة قمرية في مجامع الناس، أي يقوم بالإعلان عن هذا المال المفقود في الأماكن التي يجتمع فيها الناس، ومظنة وجود صاحبه، وفي المساجد القريبة، ومشايخ العشائر ووجهائها، والتعريف يختلف باختلاف المال والمكان والزمان، ولكن في التعريف لا يذكر صفات المال الضائع كلها، بل يذكر ما يشير إلى هذا المال، لئلا يأتي من لا يخاف الله تعالى فيقول: هي لي وهو كاذب في ذلك .
وإن لم يأته صاحب هذا المال بعد تعريفه سنة فإنه يجوز له أن يتملك هذا المال، لكن متى ما جاء صاحبه فإنه يدفع له هذا المال، وأما إن لم يأته فإن المال يكون للملتقط. وإن كان المال مما يفسد أو تكون نفقة حفظه كبيرة من الطعام كالخضروات والفواكه فإنه يجوز له أن يأكل هذا المال بعد أن يعرف صفاته، ويجوز له أن يبيعه ويحفظ ماله لصاحبه، فمتى ما جاء صاحبه خلال سنة فإنه يدفع له قيمة هذا الطعام، وإلا فإنه لا شيء عليه.
والخلاصة: فما وجدتم من أثاث وأغراض وملابس في بيوتكم ولم تتعرفوا على صاحبها، فلكم الانتفاع بها اذا كنتم تحتاجونها، وتكونون ضامنين لقيمتها إذا ظهر صاحبها في المستقبل، وإلّا يمكن أن تُقَوَمَ قِطعُ الأثاثِ والأغراض حسب سعر السوق؛ ثم تباع ويُتصدق بثمنها على الفقراء بنية أنَّ أجرها لأصحابها، فإذا ظهر أصحابها بعد ذلك يُخبرون بما حصل؛ فإن أجازوه فالصدقة لهم وإن طالبوا بقطع الأثاث دفعت لهم قيمتها ويكون الأجر للمتصدق الملتقط.
وأما الأغراض التي قد يكون فيها إظهار عورات الناس من الصور العائلية وغيرها فمن غير المناسب الإطلاع عليها، لذا لا بد من مراعاة حرمة أصحابها وعدم فضح صورهم، ويمكن البحث عن أصحابها من خلال المساجد والمشايخ والوجهاء، ويجوز اتلافها كالصورفي حال عدم ظهور أصحابها، ان خشي الإطلاع عليها ممن لا يخاف الله تعالى ويظهر عورات الناس.
وأما ما وجدتم غير ذلك من أغراض رخيصة عرفا أو ما استغنى عنها أصحابها، أو مواشي فكما ذكرنا وفصلناه آنفا.
والله تعالى اعلم .
- الموضوع الفقهي
- حكم ما يجده النازحون من أثاث وغيرها بعد عودتهم لبيوتهم ومزارعهم
- عدد القراء
- 160