- الباب الفقهي
- فقه الأسرة / النكاح
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- تولي المرأة عقد النكاح
- السؤال
- هل يجوز لامرأة في الأربعين من عمرها أن تزوج نفسها من كفءٍ دون إذن وليها؟
- الجواب
-
النكاح بدون ولي من الأنكحة الفاسدة عند الجمهور لقول رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ ولا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فإنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ التي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا)(1) وقوله صلى الله عليه وسلم (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ دخل بها فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا)(2) ويؤيد هذا ظاهر قوله سبحانه وتعالى (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنّ) النساء٢٥.
لذا قال مالك والشافعي وأحمد: لا تلي المرأة عقد النكاح بحال فلا تزوج نفسها ولا غيرها. ولا خلاف بين علماء الحنفية في جواز عقد المرأة النكاح على نفسها إذا أذن لها وليها في ذلك، واختلفوا فيما إذا لم يأذن لها الولي، فقال أبو حنيفة: للمرأة أن تزوج نفسها كفؤا، وإن زوجت نفسها غير الكفء فالنكاح جائز أيضا وللأولياء أن يفرقوا بينهما. فروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رضي الله عنه في العاقلة البالغة لو زوجت نفسها من غير كُفء؛ لا يصح تزويجها، واختار المتأخرون هذه الرواية عن الإمام للفتوى كما نقل ابن عابدين. وقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز النكاح إلا بولي فإن قبل الولي جاز وإن أبى والزوج كفءٌ فللقاضي أجازته عند الرفع إليه؛ ويتم النكاح حين يجيزه القاضي.
واستدل كل إمام من هؤلاء الأئمة بأدلة لمذهبه ورد على المخالف بردود، من أرادها فليرجع إلى المطولات الفقهية والحديثية وكتب التفسير. والمسألة تتنازع فيها مصلحتان:
الأولى: مصلحة المرأة التي تحتاج إلى هذا الزواج وترغب فيه ولا يوافق أهلُها على زواجها ممن ترضى، فوجب أن يجعل لحاجتها ولرأيها وزن.
وقد ورد من السنة ما يؤيد اعتبار رغبتها كما في العضل، قال تعالى (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ) البقرة232.
والعضل المنع يقال عضل فلان ابنته إذا منعها من التزوج، وهو هنا قد يكون من الزوج الذي طلقها وقد يكون من الولي، فعضل الزوج يستدل له بالسياق الذي هو خطاب للأزواج إذا طلقوا، وكذلك بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) النساء 19.
وعضل الأولياء يستدل له بما ورد من سبب نزول الآية المتقدمة، فعن مَعْقِلُ بن يَسَارٍ رضي الله عنه أنها نَزَلَتْ فيه، قال: زَوَّجْتُ أُخْتًا لي من رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا حتى إذا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جاء يَخْطُبُهَا فقلت له: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا لَا والله لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا.
وكان رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إليه فَأَنْزَلَ الله هذه الْآيَةَ (فلا تَعْضُلُوهُنَّ) فقلت: الْآنَ أَفْعَلُ يا رَسُولَ اللَّهِ. قال فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ(3) فالذي عضل (منع) هنا هو الأخ، فأمره الشرع باحترام رغبة صاحبة الشأن.
والثانية: مصلحة الأولياء الذين لا يرغبون في نكاح ابنتهم لهذا الخاطب لعدم الكفاءة أو غيره. فاستبداد النساء بالنكاح هنا فيه قلة حياء لا تناسب خلق المسلمة الملتزمة، وفيه عدم اكتراث بالأولياء، فربما رغبت المرأة في غير الكفء الذي يعير به أهلها؛ فوجب أن يُجعل للأولياء شيء من هذا لتسد هذه المفسدة. فإذا دفعنا هاتين المفسدتين وحققنا التوازن بين مصلحة المرأة ومصلحة الأهل باحترامنا لرغبة المرأة، وقبولنا لتحفظات الأولياء يمكن عندها أن نأخذ بأيٍّ من المذهبين، والله أعلم.
(1)أخرجه ابن ماجه 1/606، برقم 1882.
(2)أخرجه الترمذي كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي، برقم 1102وقال: حديث حسن. وأحمد في المسند، برقم 24417. والحاكم في المستدرك على الصحيحين 2/182، كتاب النكاح، برقم 2706 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وابن حبان في الصحيح 9/384، باب الولي، ذكر بطلان النكاح بغير ولي، برقم 4074.
(3)رواه البخاري 5/1972، برقم4837.
- الموضوع الفقهي
- عقد النكاح
- عدد القراء
- 153