- الباب الفقهي
- فقه الأسرة (الأحوال الشخصية)
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- بين الزواج والدراسة
- السؤال
- طالبة في الرابع الثانوي، تقدم لخطبتها رجل صالح، وهي تحب إكمال دراستها، فأيهما تختار الزواج أم الدراسة؟
- الجواب
-
ابنتي العزيزة:
أتكلم معك هنا كأب ناصح يريد أن يقدم خبرته لابنة تقف حائرة أمام أخطرِ قرارٍ في حياتها وهو الزواج. تلك المؤسسة الاجتماعية الحيوية التي من مقاصدها بناء أسرة السكن الروحي والنفسي لكلا الزوجين ليتبادلا المودة والرحمة؛ وتربية الأولاد تلبيةً لحاجة النفس الفطرية في الأمومة والأبوة؛ وحفظ النوع الإنساني ومكاثرة الأمم، وحفظ المجتمع من الانحراف وأمراضه النفسية والعضوية.
وقبل البدء أقول لكِ: لم تحدد الشريعة الإسلامية سنًا محددة للزواج لا مبكرة ولا متأخرة، وفي الأجيال السابقة؛ كان من الطبيعي أن تُزف الفتاة بعد بلوغها مباشرة، وتبدأ رحلة الحياة بالإنجاب والكد من أجل العيش، ونحن من ثمار تلك الأجيال الفاضلة التي عرفت هذا الزواج المبكر. ولكن في هذا الزمن تعقدت الحياة وأصبح الزواج المبكر في نظر البعض تخلفًا؛ بل ويعدُّه البعض ظلمًا يربط مصير الفتاة أو الشاب مبكرا بقيود مسؤوليات الحياة.
وحقيقة الأمر أن الزواج المبكر عادةٌ عربيةٌ قديمةٌ أقرَها الإسلامُ فأصبحَ حكمُها الإباحة؛ وليس الاستحباب كما يعتقد البعض لأن فعله صلى الله عليه وسلم لها يدل على الإباحة، ففي علم الأصول يقولون إن الفعل في المسائل غير التعبدية يفيد الإباحة.
وقوله صلى الله عليه وسلم للشباب (من اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فإنه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ؛ وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فإنه له وِجَاءٌ)(1) يحتاج إلى وقفات:
الأولى: الخطاب فيها للشباب؛ ومرحلة الشباب هي مرحلة ما بعد البلوغ؛ والمعنى الدقيق للبلوغ لا يعني النضوج الجنسي وحده بل ما يصحبه من تغيرات نفسية وجسمية قد تستمر إلى سن الثامنة عشرة أو أكثر.
الثانية: معنى الباءة؛ وهي القدرة على مؤن النكاح وتكاليف فتح البيت بنفسه أو بغيره كأن ينفق عليه الأب، وهذا كان معتادًا في مجتمعات المدينة وما حولها.. ويؤيد هذا معنى رواية (وَمَنْ كان ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ وَمَنْ لم يَجِدْ فَعَلَيْهِ بِالصِّيَامِ)(2). ومن لا يملك فعليه بتربية نفسه وتهذيبها بالصوم ونحوه.
الثالثة: الزواج يأخذ الأحكام الخمسة بحسب الحال؛ فهو يأخذ حكم الوجوب في حق من يخاف الوقوع في الزنا وكان قادرًا عليه، ويأخذ حكم التحريم في حق من يخل في حقوق الزوجة مع عدم قدرته على الإنفاق، والكراهة في حق من كان في حال العزوبة أنشط على العبادة والدعوة إلى خدمة الدين منه في حال التزويج، والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصودا من إعفاف نفس وتحصين فرج ونحو ذلك، وهو الذي قصده الحديث، والإباحة فيمن انتفت الدواعي والموانع.
الرابعة: في زماننا ومع تعقيدات الحياة أصبح الشاب والشابة يحتاجان إلى مزيد خبرة في الحياة والعلاقات الأسرية قبل دخول هذه التجربة التي تعقدت مطالبها كثيرًا؛ وظهرت لها احتياجات جديدة مادية ومعنوية؛ ومنها الحاجة إلى تحصيل دراسي بمستوى معين يعينها على فهم تعقيدات الحياة الجديدة.
لذا أنصحك أن لا تتركي الدراسة؛ وقدِّري حالتك في مقدار الحاجة للزواج، والله أعلم.
(1)رواه البخاري 2/673، بَاب الصَّوْمِ لِمَنْ خَافَ على نَفْسِهِ العزوبة، حديث رقم 1806 ومسلم 2/1018، كِتَاب النِّكَاحِ, بَاب اسْتِحْبَابِ النِّكَاحِ لِمَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إليه، حديث رقم1400.
(2)رواه ابن ماجه 1/592، بَاب ما جاء في فَضْلِ النِّكَاحِ، حديث رقم 1846.
- الموضوع الفقهي
- بين الزواج والدراسة
- عدد القراء
- 166