- الباب الفقهي
- البيوع والتعاملات المالية
- المفتي
- الشيخ الدكتور أحمد حسن الطه
- عنوان الفتوى
- حكم تغيّير قيمة العُملة
- السؤال
- حول ما شهدته أسواقنا من انخفاض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، ثم في الأيام الماضية شهدنا ارتفاعاً لقيمة الدينار العراقي، وأصبح الدائن يطالب بقيمة الدينار، والمدين يريد التسديد بنفس جنس الدينار، فما هو رأيكم؟
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. وبعد؛
فإن إطلاق اسم الدينار على الورقة النقدية الآن: هو إطلاق مجازي؛ لأن حقيقة الدينار في الأصل عملة نقدية من الذهب، وكان في بعض الفترات التاريخية يزن مثقالاً من الذهب. وكان الدولة الإسلامية تتعامل بالدنيار- مثقال ذهب-، والدرهم- وهو وزن محدود- من الفضة. وكانت تضرب العملة بزنة دينار: مثقال ذهب، ونصف دينار، وربع دينار، ونماذج منها الآن موجودة في المتاحف: العامة، والخاصة عند النخب.
أما الدرهم فهو على حاله من الفضة ما يعادل ثلاثة غرامات وجزء غرام، ولم يقل سعر الدينار عن عشرة دراهم ولم يزد عن اثني عشر درهماً. ولما اتسعت رقعة البلاد أيام الدولة العباسية أصبحت المسكوكات من الذهب والفضة لا تفي؛ لأنها مكلفة صناعة، ولأسباب أخرى- فعدل الناس إلى نقدٍ غير الذهب والفضة، وكان الناس يسمونها الفلوس، وكان الناس يتعاطون النقد الذهبي والفضي والفلوس، وهذه الفلوس مصنعة من: النحاس، والرصاص أحياناً، وغيرها، ويسميها الناس فلوس، وزيوف أحياناً.
وكانت هذه الفلوس تهبط قيمتها إلى حدٍ ملف للنظر، وتصعد أحياناً بشكل يجعل المدين يدفع أضعاف ما بذمته يوم الاستدانة، علماً بأن النقد من الزيوف يتداول في الأسواق! وكان السؤال يطرح على فقهاء العصر في نهاية القرن الثاني: فذهب بعض الفقهاء: بأن على المدين أن يدفع القدر الذي استدانه ما دام النقد موجوداً يتعامل الناس به؛ وقد لا يساوي ربع قيمته، وقد يكون ما يدفعه خمسة أضعاف ما قبضه. فالمدين مئة دينار بتاريخ 1957م لو ألزمناه اليوم بمئة دينار؛ نكون قد ظلمناه؛ لأن مائة دينار في سنة 1957م تشتري بها خمسين مثقالاً من الذهب؛ والآن لا تشتري بها نصف مثقال!! وذهب آخرون إلى أن أخذ أكثر من الرقم المدفوع فالزيادة ربا، وأدخلوا الناس في ورطة أخرى، وجاء دور قاضي القضاة كبير تلامذة أبي حنيفة وهو أبو يوسف الأنصاري رضي الله عنهما، فنظر إلى القضية بمقياس قيمة الدين من العملة المدفوعة من الفلوس على الذهب ساعة العقد؛ كما تساوي ذهباً سنة 1960م- يدفع المدين اليوم قيمة الذهب الذي استوفى المدين قيمته يوم عقد الدين؛ وكأن المدين استدان ذهباً، فيؤدي اليوم بقدر ما يشتري مقدار الذهب الذي قدر به الدين.
ورغم معارضة بعض الفقهاء في عصر أبي يوسف؛ إلا أنه أخيراً صححوه وقالوا: عليه الفتوى. وأعتقد والله أعلم أن قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يحقق العدل والإنصاف؛ لأن قيمة الدين بالذهب تقرب من الحقيقة عند الوفاء سواء ارتفع سعر النقد أو هبط، فلا يُهضم الدائن ولا المدين؛ قال تعالى: " فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون "* ولذلك لو تم عقد الزواج سنة 1961م، وكان مهرها المؤجل مئتي دينار، ثم توفى الزوج فمهرها المؤجل صار ديناً حالاً؛ فمن الظلم أن تعطى مؤجل مهرها مئتي دينار- التي كانت قيمة مائة مثقال ذهب يوم العقد، واليوم لا تساوي قيمة واحد من مائة من قيمة مثقال الذهب، والله أعلم وهو الموفق للصواب.
*البقرة: 279
- الموضوع الفقهي
- تغيّير قيمة العُملة
- عدد القراء
- 186