- الباب الفقهي
- العبادات / الجنائز
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- المرأة وزيارة القبور
- السؤال
- ما حكم زيارة القبور للنساء؟
- الجواب
-
ورد عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُور* وقد رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هذا كان قبل أَنْ يُرَخِّصَ النبي في زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فلما رَخَّصَ دخل في رُخْصَتِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.
فذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى: جَوَازِ زيارة المرأة المقبرة إذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ منها:-
- دُخُولُهُنَّ تَحْتَ الْإِذْنِ الْعَامِّ بِالزِّيَارَةِ الوارد في قوله نَهَيْتُكُمْ عن زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا**، وفي رواية زيادة: فإنَّ في زِيَارَتِهَا تَذْكِرَة***. وفي رواية أخرى: فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ في الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ ****، فالخطاب هنا للذكور، وهو يعم الإناث؛ لأن خطاب الذكور إن لم يرد ما يدل على تخصيصه بهم يعم الذكور والإناث.
وعلّة نسخ النهي عن زيارة القبور التي ذكرتها روايتا غير الصحيح تكون في النساء، كما تكون في الرجال. فالمرأة كالرجل في الحاجة إلى تذكر الآخرة والزهد في الدنيا، والأحكام تدور مع عللها.
- وقد ورد أنَّ عائشة (رضي الله عنها) سألت النبي عن زيارة مقبرة البقيع: كَيْفَ أَقُولُ لهم يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: قُولِي السَّلَامُ على أَهْلِ الدِّيَارِ من الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ الله الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إن شَاءَ الله بِكُمْ لَلَاحِقُونَ*****. فعلَّمها أن تسلم عليهم، وأن تدعو لهم بالرحمة مع نفسها، وأن تذكر نفسها وتؤنسها بأن الجميع راحلون. ولو كانت الزيارة حراما لقال لها حين سألت ماذا تقول؟ لمَ تسألين عن أمرٍ حرمه الله عليكِ وعلى النساء.
- وقد مَرَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فقال: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، قالت: إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لم تُصَبْ بِمُصِيبَتِي. ولم تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لها: إنه النبي فَأَتَتْ بَابَ النبي فلم تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فقالت: لم أَعْرِفْكَ. فقال: إنما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى******، فقد رآها عند القبر، ومكان القبر يكون عند المسلمين في المقبرة وليس منفردًا؛ فذكَّرها بتقوى الله، وأمرها أن تصبر. وظاهر الأمر أنها ربما كانت تنوح فوعظها هذه الموعظة، ولم ينهها عن زيارة القبور. ولو كانت الزيارة حراما لبيَّن لها ذلك؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وليس هذا فحسب، بل ورد عن جعفر الصادق بن محمد الباقر عن أبيه عن علي السجاد بن الحسين عن أبيه: أن فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وسلم) كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده*******. ومعنى "تصلي" هنا: تدعو له. ويمكن حمل اللَّعْنُ الْمَذْكُورُ في الحديث على الْمُكْثِرَاتِ من الزِّيَارَةِ لِمَا تَقْتَضِيهِ الصِّيغَةُ من الْمُبَالَغَةِ، فزوارات أكثر من زائرات ترددًا على المقابر.
العزم على زيارة قبور الأهل في يوم معين؛ هل يعد من شد الرحال؟
الزيارة الشرعية للقبور مستحبة، لقول رسول اللهنَهَيْتُكُمْ عن زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا********، وفي رواية زيادة تبين علة الأمر بالزيارة بعد أن كان منهيًا عنها؛ وهي فإن في زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً *********. وهذا نص على شرعية زيارة القبور، بل نقل النووي في شرحه لمسلم (وأجمعوا على أن زيارتها سنة لهم) أي للرجال. وأما النساء ففيهن خلاف:
- فهناك من يرى تحريمها عليهن.
- وهناك من يكره لهن زيارة المقابر جمعاً بين النسخ والنهي.
- وهناك من قال: يباح لهن كما يباح للرجال.
ولكن ينبغي أن تراعى الآداب الشرعية للزيارة بلا اختلاط فاحش ولا ملابس فاضحة ولا نياحة ولا لطم خدود وشق جيوب؛ وإنما دعاء لهم وسلام عليهم.
أما شد الرحال المنهي عنه: فهو للمساجد وليس للمقابر، فقد نص الحديث: لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى**********.
* أخرجه الترمذي 3/371، بَاب ما جاء في كَرَاهِيَةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ، برقم 1056 وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ .
** رواه مسلم 2/672، برقم 977.
***أخرجه أبو داود 3/332، برقم 3698.
**** أخرجه ابن ماجه 1/501، برقم 1571.
***** رواه مسلم 2/670، برقم 974.
****** رواه البخاري 1/430، بَاب زِيَارَةِ الْقُبُورِ، برقم 1223. ومسلم 2/637، بَاب في الصَّبْرِ على الْمُصِيبَةِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى، برقم 926.
******* أخرجه الحاكم، المستدرك على الصحيحين 1/533، برقم 1396، وقال عن رواته: ثقات. والبيهقي، السنن الكبرى 4/78، برقم 7000، وقال الصنعاني في سبل السلام 2/115: حديث مرسل؛ فإن عليا بن الحسين لم يدرك فاطمة. لكنه رواه عن أبيه الحسين عن جده علي بن أبي طالب، وليس عن فاطمة (رضي الله عنها).
******** رواه مسلم 3/65، برقم 2305.
********* أخرجه أبو داود 4/69، برقم 3235 .
********** رواه البخاري، بَاب مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، برقم 1139، ومسلم، بَاب لا تُشَدُّ الرِّحَالُ ، برقم 1397.
- الموضوع الفقهي
- فتاوى الجنائز
- عدد القراء
- 176