- الباب الفقهي
- فتاوى أخرى
- المفتي
- لجنة الفتوى في المجمع الفقهي العراقي
- عنوان الفتوى
- تصفية مياه المجاري
- السؤال
- ما حكم المياه المصفاة من مياه المجاري، وحكم استحالة المواد المتنجسة مع اختلاف أسبابها؟
- الجواب
-
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصبه وسلم .
أما بعد:
يطلق الفقهاء على هذا الأمر الاستحالة وهي: انقلاب حقيقة شيء إلى حقيقة أخرى، بنفسها أو بتدخل خارجي، ومنها التفاعلات الكيميائية، واختلف أهل العلم قديما في استحالة النجاسة إلى حقيقة أخرى ؛هل تكسب الطهارة أم لا ؟ فمنهم من يرى أن استحالة النجس وزوال أعراض النجاسة عنه وتبدلها بأوصاف طيبة لا تصيره طاهرا؛ وممن قال بهذا القول: أبو يوسف، وهو أحد القولين في مذهب مالك، وهو قول الشافعي فيما كان نجسا نجاسة عينية، وإحدى الروايتين في مذهب أحمد.
وذهب الجمهور من الحنفية والظاهرية وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد ووجه في مذهب الشافعي ورجحه ابن تيمية، إلى أن المستحيل من النجاسات طاهر. واشترط بعض الفقهاء أن تكون بنفسها من دون تدخل الغير وتجاوز أكثرهم هذا الشرط، فجوّز الحنفية إزالة النجاسة بالماء والمائعات كالخل، وبالشمس والريح وأي مزيل كان يذهب أثرها من طعم أو لون أو ريح، وهذا قول للمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة قال بها ابن تيمية وابن القيم.
ونظرا لوجود صور متعددة من الاستحالات في هذا العصر، نتيجة التطور التقني في الصناعات الدوائية والغذائية، ومنها الصورة المذكورة في السؤال، واستناداً إلى ما ذهب إليه الجمهور يرى أكثر المعاصرين: إن الاستحالات التي تطرأ على الأعيان النجسة بتأثير التفاعلات الكيميائية والمداخلات الصناعية وتؤدي إلى ناتج طاهر طيب، قد اختفت منه الأوصاف المستقذرة والخبيثة، والضارة المحرمة اختفاء لا يظهر معه أي وصف من هذه الأوصاف، يجوز استعماله وتناوله أسوة بغيره من الطاهرات في أصلها، شريطة عدم تضرر من يتناولها بتقرير من هيئة طبية.
وقد استدل لذلك بقوله تعالى: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾(1).
ووجه الدلالة: أن هذه الأشياء بعد استحالتها وزوال أوصاف النجاسة عنها صارت طيبة فهي طاهرة، وقد يعارض ذلك: بأن القول بأنها طيبة وهو محل النزاع، ولا يصح الاستدلال بمحل الخلاف، وقد يجاب عن ذلك: بأن العبرة بالواقع لا بالدعوى وواقعها أنها طيبة فيسلم الدليل.
وأما السنة: فما ورد من الأدلة في طهارة المسك وجلود الميتة مأكولة اللحم بعد الدبغ ونحو ذلك من الأدلة.
يقول احد علماء الحديث: وقد ثبت قول النبي صلى الله عليه وسلم : «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ(2)وهذا الحديث من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فإن الماء في ذاته وخاصيته طهور أبدا، وهو يزيل النجاسة من الماء ويحملها، ولكنه لا يتغير بها تركيبه الكيميائي، ولذلك فإنه متى فصلت النجاسة عن الماء، عاد الماء كما كان طهورا لا ينجسه شيء.
فالماء لا ينجس في ذاته، ولا يستحيل نجسا، وإنما تتغير صفاته بما يحمله من نجس فيكون نجسا لحمله النجاسة، ويكون طاهرا إذا حمل شيئا طاهرا كالملح والطين والسكر والروائح الطاهرة وعصارات الأعشاب.. فإذا عولج الماء النجس وفصلت منه النجاسة فصلا كاملا عاد طاهرا مطهرا كأصل خلقته.
وفي دراسة شرعية متخصصة ومعمقة بهذا الشأن(3)، توصل معدها إلى الحكم: بطهارة جميع المواد المتحولة بالمعالجة الكيماوية أو غيرها إذا تحولت إلى مركبات تختفي فيها الأوصاف الأصلية للمادة المشتركة في ذلك المركب حتى لو كانت قبل اشتراكها في المركب نجسة العين أو متنجسة وانطلاقا من هذا توصل إلى إمكانية استعمال المياه المتنجسة أو الملوثة كمياه المجاري بعد تكريرها وإمكانية استعمالها في سقي المزروعات وغيرها من الأغراض.
وكذلك مياه الصرف الصحي التي تعالج كيميائيا، وتكرر عدة مرات واختفاء كل الأوصاف التي أفضت إلى الحكم بتنجسها، حتى تعود ماء خالصا خاليا من كل الشوائب العالقة به؛ فإنه يكون طاهرا مطهرا يصلح للشرب والوضوء والاغتسال وغيره، مع اعتبار شرط عدم لحوق أضرار بشربه مؤيد بتقرير من قبل مركز علمي مختص أو أكثر.
ونحن إذ نرجح هذا القول فإننا نرى أن تحقيق المصلحة العامة يدفع إلى الحكم بطهارة الماء المتحول لما يشهده العالم من أزمة مياه وفيه دفع للمفاسد المترتبة على ذلك من نزاعات وحروب وإنقاذ للأنفس من الهلاك.
(1) الأعراف: 157.
(2) رواه أهل السنن وأحمد وصححه.
(3)عنوانها: أحكام النجاسات في الفقه الإسلامي، عبد المجيد محمود صلاحين، دار المجتمع -جدة، ط1/ 1991، وهو في الأصل رسالة ماجستير تم مناقشتها في عام 1406هـ.
- الموضوع الفقهي
- حُكم المياه المصفاة من مياه المجاري
- عدد القراء
- 199