- الباب الفقهي
- فتاوى أخرى
- المفتي
- لجنة الفتوى في المجمع الفقهي العراقي
- عنوان الفتوى
- تمثيل الصحابة
- السؤال
- ما حكم تمثيل الصحابة في مسرحية أو فيلم سينمائي؟ بالنظر إلى المكانة العليا لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وما حكم التمثيل على وجه العموم ؟
- الجواب
-
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام عاى رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
أعطى الإسلام الصحابة مكانة سامية فشهد لهم بصدق الإيمان ورضا الله عنهم ورضاهم عنه، لذا نخاف على ديننا من كل عمل قد يؤدي إلى الانتقاص منهم. والتمثيل وسيلة من وسائل حكاية الحادثة والتعبير عنها لإيصال فكرة إلى ذهن المشاهد، فنقل الحدث وتبليغه يتم إما عن طريق حكاية الخبر؛ أو قصه في قصة؛ أو التمثيل، وهو أقوى أثرًا من حكاية الخبر أو قص القصة لذا يتابع الناس التمثيل بالصورة والصوت أكثر من متابعتهم الخبر المقروء وأكثر من متابعتهم الصوت وحده. وقد ورد في السنة ما يمكن أن يستنبط منه جواز التمثيل، من ذلك قصة الرضيع الذي تَكَلَّم في الْمَهْدِ... فقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم : وبَينَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ منْ أُمِّهِ فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ : اللَّهُمَّ اجْعَل ابْنِي مِثْلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلَى ثَدْيه فَجَعَلَ يَرتَضِعُ، فَكَأنِّي أنْظُرُ إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَحْكِي ارْتضَاعَهُ بِأصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ في فِيه، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا(1)، فمص النبي صلى الله عليه وسلم أصبعه فيه مبالغة في إيضاح الخبر ونقل الصورة بالتمثيل. وورد أيضا حديث جبريل عليه السلام لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم على هيئة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ثم سأله عن الإيمان ثم عن الإحسان واليوم الآخر, فما فعله جبريل مع النبي عليه الصلاة و السلام ضرب من التمثيل, فقد جاء بصورة رجل ليثبت بمشهد تمثيلي في أذهان الأمة كيفية السؤال وهيئة المستفتي في سؤاله عن الدين وأركان (الإسلام والإيمان والإحسان) (2).
والتمثيل يكون حرامًا إذا اشتمل على محظور، أما ما سوى ذلك فلا بأس به وقد ثبت لدينا قوة أثر الفلم والمسلسل قياسًا بالكتاب؛ وهذا باب نحتاج أن يلجه مبدع مسلم يوصل الحقيقة ويؤثر في إيصال الإسلام إلى قلوب المتابعين وعقولهم من خلال الشاشات التي دخلت كل البيوت.
هذا في حكم التمثيل عمومًا وهناك مشكلة في حكم تمثيل شخصيات الصحابة رضي الله عنهم.
وتجسيد شخصية الصحابي بشكل مقبول وحسن دون تزوير أو إساءة له؛ عمل مقبول بل هو شرط في جواز تمثيل شخصياتهم، أما تمثيلهم بقصد الانتقاص منهم وتشويه صورتهم فحرام بلا شك وبلا خلاف، فالأصل في الأشياء الإباحة ولا يوجد نص من الكتاب أو السنة يحرم تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم، غير أمهات المؤمنين احترامًا لخصوصيتهن.
كما ولا بدَّ من اشتراط عدم وجود مشاهد مخلة بالحياء والأدب العام في الأفلام والمسلسلات التي تمثل شخصياتهم.
وقد منع طائفة من العلماء المعاصرين تمثيل أدوار الصحابة رضي الله عنهم وتذرعوا بذرائع لذلك:
فقالوا: يحرم تمثيلهم خوفًا من تحريف سيرهم وعدم تمثيلها بصورة صحيحة، إذ أن اهتمام المنتجين والمخرجين غالبًا ما يكون بالناحية الفنية على حساب الدقة التاريخية من أجل الإثارة والتشويق, وربما دفعهم ذلك إلى إضافة بعض المشاهد والتفاصيل التي لم ترد عنهم لسد بعض الفراغات.
ورد هذه الذريعة يكون باشتراط اعتماد الرواية الصحيحة وتحري الدقة التاريخية وعدم إدخال ما لم يرد من التفاصيل لسد الفراغ، وإلا فتمثيلهم باختلاق أحداث مكذوبة من أجل الإثارة والتشويق حرام.
وقالوا: إن من يمثلهم قد يقوم في عمل آخر بتمثيل دور المجرم أو اللص أو أي صورة سلبية مما يحقق اختلالاً لدى المشاهد الذي تخيل وجه الصحابي على وجه هذا الممثل, فيتخيل المُشاهد تلقائياً صورة الصحابي في هذا الوضع المخل, وهذه قمة الإساءة لمقامهم رضي الله عنهم. ولاسيما وقد عرف عن أكثر المحيط الفني الفسق والفجور, وربما قام بدور الصحابة ممثل فاسق, وربما قامت بأدوار الصحابيات ممثلات ساقطات.
وتعالج هذه الذريعة باشتراط التعاقد مع ممثلين عُرفوا بحسن سلوكهم وجودة أداءهم وتجنبهم للكبائر وهم موجودون, وقد يُشترط عليهم الأدوار الإيجابية في أعمالهم السابقة واللاحقة.
وإذا قالوا: يستحيل ضبط أدوار الصحابة, فمهما بلغت جودة التمثيل فهم أجل وأكثر هيبة من أن يضبط دورهم فنان،فهم السابقون الأولون الذين تربَو على عين النبوة, وهم الذين لو أنفقنا ما أنفقنا وقدمنا ما قدمنا ما بلغنا مُدّ أحدهم ولا نصيفه.
وهذا لا شك فيه, لكن لو كانت هذه حُجة لعدم جواز تمثيلهم لكان وصف النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الشمائل غير جائزٍ أيضاً لهذه الذريعة، فهو صلى الله عليه وسلم فوق الوصف والمدح.
وحقيقة التمثيل هي تقديم عرض مرئي تقريبي لما عليه الموصوف, كما أن الوصف الكلامي عرض سمعي تقريبي لما عليه الموصوف, وقد روت السيرة وصف أم معبد لشكل النبي صلى الله عليه وسلم،وصفا يجعلك تتخيل شكله, وقد يكون وصفها دقيقاً، وقد يكون شكله صلى الله عليه وسلم أجمل مما وصفته أم معبد, وهذا لم يمنع أهل الشمائل من ذكر هذا الوصف ولا أهل الحديث أن يُحدثوا به.
(1)رواه مسلم: 6673. .
(2)رواه البخاري: 50 ومسلم: 102.
- الموضوع الفقهي
- حُكم تمثيل الصحابة
- عدد القراء
- 160