- الباب الفقهي
- فتاوى أخرى
- المفتي
- الشيخ الدكتور طه أحمد الزيدي
- عنوان الفتوى
- النظر إلى المحرمات
- السؤال
- تنتشر على بعض المواقع ومجموعات التواصل الاجتماعي صور مقاطع مخلة بالحياء، ما حكم النظر إلى هذه الصور أو الأفلام ؟ راجين ذكر أدلّة هذا الحكم.
- الجواب
-
إنّ التكييف الفقهي لهذه المسألة يكون من خلال ما تكلم به بعض فقهاء المذاهب عن صورة تقترب من مسألة النظر إلى الصور المحرمة، وهو حكم نظر الرجل إلى مثال المرأة الأجنبية عنه في المرآة أو الماء، ونرجح حرمته(1):
والأدلة على ذلك: قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ ، فالله تعالى قدم غض البصر على حفظ الفروج ؛ لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور، ويعد من مقدمات الزنا، ولأن البلوى به أشد وأكبر لما تثيره في نفس المشاهد لها من شهوة.
وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : «لَا يَنْظُر الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ»(2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة رضي الله عنه : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ»(3) .
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ؟ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي، وفي رواية، فَقَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ*...، وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن؟ قال اصرف بصرك عنهن»(4).
قال البغوي: والحديث يدل على أن النظرة الأولى إنما تكون له لا عليه إذا كانت فجاءة من غير قصد، فأما القصد إلى النظر، فلا يجوز لغير غرض، وهو أن يريد نكاح امرأة، أو تحمل شهادة عليها، فيتأملها. وإذا كان بعورة المرأة داء، فلا بأس للطبيب الأمين أن ينظر إليها(5)، وقال ابن حجر: ويؤخذ منه أنه يشرع الاستئذان على كل أحد حتى المحارم لئلا تكون منكشفة العورة (6).
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: «يَا عَلِيُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ»(7).
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ»(8).
ومقتضى هذه النصوص، تحريم نظر الرجل والمرأة إلى عورات الأجانب عنهم، من دون تفريق بين النظر إلى عينها أو صورتها.
وهو يدخل في باب سد الذرائع: فمنع نظر الرجل والمرأة إلى عورة الأجانب عنهما خوفا من أن يؤدي إلى الزنى، أو الوقوع في الفتنة والشهوة المحرمة، فيحرم سدًا للذريعة . وهذا موجود في النظر إلى مثالها، يقول الألباني: أن هذه الصور من أشد الأنواع المثيرة لشهوة الشباب وغرائزهم بحيث أنهم لا يجدون بعد ذلك سبيلا إلى إطفائها إلا بارتكاب المحرم(9)، وبعض الصور والمقاطع أكثر فتنة وإثارة من رؤية العورات عبر الزجاج أو الماء.
وذهب جمهور فقهاء المذاهب إلى عدم جواز النظر إلى ما حرمته الشريعة، فمنهم من قال بحرمته ومنهم من قال بكراهيته، قال الدردير: النظر إلى المحرم حرام، وقال الهيتمي وغيره: كل ما حرم حَرُمَ التفرج عليه؛ لأنه إعانة على المعصية، وقال ابن مفلح: يكره النظر إلى ما حرم(10).
وبناء على ذلك لا يجوز النظر إلى الأفعال المحرمة أو الأشياء المحرمة من غير حاجة أو ضرورة، إلا على جهة الإنكار والتغيير، وما عدا ذلك فيحرم النظر حينئذ؛ لأنه باعتياد النظر وتكراره تألف النفس الحرام وتتأثر به شيئا فشيئا، كما أن في اعتياد النظر بلا إنكار إقرار لمن يفعل المحرمات، وتشجيع له على الاستمرار والاستهانة به؛ فيكون تعاونا على الإثم.
(1)وذهب إلى التحريم، بعض الحنفية منهم الحصني، وبعض المالكية منهم الخرشي، وبعض الشافعية منهم الهيتمي، والحنابلة ومنهم ابن تيمية، والظاهرية، ينظر: حاشية ابن عابدين، 9/534، مواهب الجليل، 5/22، وحاشية الخرشي، 8/231، الفتاوى الكبرى، ابن حجر الهيتمي، ج4/95، مغني المحتاج للشربيني، 3/133، والإنصاف للمرداوي، 8/23، والمحلى بالآثار لابن حزم، 1/32. *النور: 30. *أخرجه مسلم: 338 .
(2)أخرجه البخاري: 6243، ومسلم: 2657 .
(3)أخرجه مسلم: 2159، والرواية الثانية أخرجها أبو داود.
(4)أخرجه البخاري: 3836.
(5)شرح السنة للبغوي9/24.
(6)فتح الباري لابن حجر، ج11/ 25.
(7) اخرجه الترمذي: 2777، وأبو داود: 2149 . قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك والحاكم في المستدرك: 2788، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، قال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم.
(8)أخرجه أحمد: 22756، بسند حسن لغيره، والحاكم: 8066 وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولكن قال عنه الذهبي: وفيه إرسال، وصححه الألباني من طرق أخرى، ينظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1470.
(9)في تعليقه على كتاب :حجاب المرأة ولباسها في الصلاة، لابن تيمية، ص11.
(10)ينظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 2/ 338، وتحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي، 10/ 221، ونهاية المحتاج للرملي، ج2/ 376، الآداب الشرعية لابن مفلح، ج3/ 519.
- الموضوع الفقهي
- حُكم النظر للصور المُخلّة بالحياء
- عدد القراء
- 170