هناك من يشكك أن ابا بكر الصديق كان في الغار مع رسول الله – ﷺ- في الهجرة، وكذلك يقولون اينكان دليلهما ابن اريقط وكذلك الرواحل عندما وصل كفار قريش الى الغار؟ افتونا مأجورين.
- الباب الفقهي
- فتاوى أخرى
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- الرد على شبهة غار ثور
- السؤال
- هناك من يشكك أن ابا بكر الصديق كان في الغار مع رسول الله – ﷺ- في الهجرة، وكذلك يقولون اينكان دليلهما ابن اريقط وكذلك الرواحل عندما وصل كفار قريش الى الغار؟ افتونا مأجورين.
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أجمع علماء الاسلام سلفا وخلفا على أن الذي كان مع رسول الله – صلى الله عليه واله وسلم - في غار ثور هو: ابو بكر الصديق – رضي الله عنه - ولم يخالف في ذلك إلا بعض من لا يعتد بخلافهم، فقد تواتر النقل بذلك في كتب الحديث وفي كتب السيرة النبوية المباركة .
وقد قال تعالى في محكم كتابه الحكيم: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [ التوبة: 40].
وقد أجمع المفسرون في قوله تعالى: “ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار “ أَي أَحد اثنين، هما الرسول - صلى الله عليه واله وسلم -، وأَبو بكر الصديق - رضي الله عنه -والمراد به هنا غار جبل ثور الواقع على بعد ساعة سيرا من مكة، وقد مكثا فيه ثلاثة أَيام.
وفي الصحيحين عن أبي بكر -رضي الله عنه-، قال: قلت للنبي ﷺ وأنا في الغار: (لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: “مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا”).
وأما قولهم: أين كان دليلهما ابن أريقط وكذلك الرواحل عندما وصل كفار قريش إلى الغار ؟
فقد جاء في كتب السيرة والأحاديث الصحيحة أن ابا بكر الصديق – رضي الله عنه- كان قد جَهَّز راحلتين استعدادًا للهجرة، واستأجر رجلًا يقال له: عبد الله بن الأريقط، وكان ماهرًا عارفًا بالطريق، ودفع إليه أبو بكر الراحلتين ليرعاهما، واتفقا على اللقاء في غار ثور بعد ثلاث ليال، أي لم يكن معهما حين وصل الكفار للغار، في حين قامت عائشة وأسماء بنتا أبي بكر -رضي الله عنهما- بتجهيز المتاع والمؤن، وشقَّت أسماء -رضي الله عنها- نطاقها وهو اللباس الذي كانت تختمر به، شقَّته نصفين لوضع الطعام فيه؛ فسمِّيت من يومها بذات النطاقين، وكان عبدالله بن أبي بكر – رضي الله عنهما- يحمل لهما ذلك ليلا، وعامر بن فهيرة – رضي الله عنه- راعي غنم أبي بكر الصديق يرعى الغنم عند الغار حتى إذا ما رجع عبدالله بن أبي بكر يمشي خلفه بغنمه ليمسح الآثار من الرمال .
وأمر النبي عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بأن يبقى في مكة؛ ليؤدي إلى الناس ودائعهم التي كانوا يستودعونها عند رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ففي السيرة [ 1/ 483]، والطبقات لابن سعد [ 1/ 228 ] أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – أمر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن ينام على فراشه قائلا: ((نم على فراشي وتسجَّ ببردي هذه الحضرمي الأخضر، فنم فيه، فإنَّه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم)).
وقد روى الإمام البخاري في صحيحه في باب هجرة النبي ﷺ وأصحابه إلى المدينة [3/1417 ]، عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها-: (فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَقَنِّعًا، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ - بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بِالثَّمَنِ».
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا، يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيَا خِرِّيتًا، -وَالخِرِّيتُ المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ-، ....، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ).
الخلاصة:
أجمع علماء الاسلام سلفا وخلفا على أن الذي كان مع رسول الله – صلى الله عليه واله وسلم - في غار ثور هو: أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – فلا مجال لإنكار ذلك إلا من سفه عقله.
وحسب ما جاء في الأحاديث الصحيحة أن أبا بكر استأجر عبدالله ابن أريقط ليكون دليلا في الهجرة ودفع إليه أبو بكر راحلتين ليرعاهما، واتفقا على اللقاء في غار ثور بعد ثلاث ليال، وهذا يدل على أنه لم يكن معهما حين وصل الكفار للغار، وبهذا تندفع هذه الشبهة التي يثيرها أعداء الإسلام والمغرضون وبعض من يجهل السيرة النبوية الصحيحة، ويردد هذه الشبهات دون بحث وتحقيق.
والله تعالى أعلم.
- الموضوع الفقهي
- الرد على شبهة غار ثور
- عدد القراء
- 185