- الباب الفقهي
- فتاوى أخرى
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- العين وحكم العائن
- السؤال
- هل العين تصيب الإنسان؟
- الجواب
-
الحسد معصية كبيرة نهى الشارع عنها وتوعد فاعلها، فقال تعالى: (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) ( الفلق5 ) فهذا في سياق الأمر بالاستعاذة من شرح الذي يحقد على الناس لما آتاهم الله من فضله فيتمنى زوال النعمة من المنعم عليه.
ونهى المؤمن أن يحسد أخاه فقال: "وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا"(1) وهذا يشير إلى أن كامل الإيمان منزهٌ عن أن يحسد أخوانه أو يقاطعهم أو يدابرهم.
وذُكر أنَّ النبي قال: "إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فإن الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كما تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ"(2) والحسد هو تمني زوال النعمة عن المنعَم عليه؛ وفي هذا اعتراض على قدر الله الذي قدَّر النعمة.
ومن شر أنواع الحسد العين التي تصيب الإنسان وهي أن ينظر الناظر إلى الشيء نظرة استعظام فيها الكثير من الشر والاعتراض على قدر الله فتؤثر في المعين؛ وقد ذكر بعض المفسرين عن قوله تعالى: (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) ( القلم51 ) أنها في العين.
وورد في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كان شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا"(3) فالحديث صريح في إثبات أثر العين.
وأسباب التأثير الضار والنافع على نوعين: حسية وغيبية، وكلاهما بخلق الله.. والعين من أسباب التأثير الضار الغيبية التي تضر عند نظر العائن بما أجراه الله تعالى من إحداث الضرر عند مقابلة شخصٍ لآخرَ، وقد يصرف الله هذا الأثر قبل وقوعه بحفظه أو بالاستعاذة أو بغيرها؛ وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقية أو بالاغتسال أو بغير ذلك. فتأثير إرادة الله تعالى وخلقه ليس مقصورًا على الاتصال الحسي المباشر؛ بل يكون تارة به؛ وتارة بأسباب غيبية، والذي يخرج من عين العائن سهم معنوي قد يصادف بدنًا لا وقاية له فيؤثر فيه؛ وإلا لمْ ينفذ السهم بل ربما رُدَّ على صاحبه كالسهم الحسي سواء.
وهذا الضر للعين لا يقع بمجرد النظر بل بالنفس الخبيثة التي جمعت رذائل الحسد والغرور بالنفس في مقابلةِ مَعينٍ على غِرة وغفلة، ومن تحصن بأوراد التعوذات والتحصينات النبوية التي في القرآن والسنة وقته من العين بإذن الله.
وقد يعترض البعض بأن هذا فيه إثبات تأثيرٍ لغير الله وهو أثر العين في المعين.
ولا حقيقة لهذا فكل ما يصيب الناس من مصائب وابتلاءات إنما هي من أقدار الله، وليس في الحديث ما يدل على معارضة العين لقدر الله بل هي من القدر، ولكن في الحديث مبالغة في إثبات أثر العين كي يندفع ما في بعض القلوب من الشك في تأثير العين على الإنسان.
وكما أن العين سببٌ غيبيٌّ للتأثير لا يعرف تفسيره إلا بالرجوع إلى عالِم الغيب والشهادة؛ كذلك علاجه يكون بالمواظبة على الصلوات الخمس في أوقاتها لأنها كفيلة بأن تجعل المصلي يشعر بالصلة مع المؤثر الوحيد في هذا الكون وهو الله عزوجل فيحصنه الله.
ثم بالمداومة على الورد القرآني اليومي مهما كان صغيرًا؛ مع أذكار ما بعد الصلوات؛ وأذكار الصباح والمساء وقراءة آية الكرسي والمعوذات ففي هذه المعالجات الحصن الحصين من شر كل حاسد وعائن بإذن الله، والله أعلم.
(1) رواه البخاري 8/19 برقم 6064 ومسلم 4/1983 برقم 2558.
(2)رواه أبو داود 4/276، بَاب في الْحَسَدِ، برقم 4903
(3) رواه مسلم 4/1719، برقم 2188
- الموضوع الفقهي
- الحسد
- عدد القراء
- 185