- الباب الفقهي
- فتاوى أخرى
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- نقصان عقل المرأة ودينها
- السؤال
- عند الحديث عن المرأة ودروها في المجتمع يستشهد البعض بحديث "إن المرأة ناقصة دين وعقل" فهل صح عن النبي هذا الحديث أو أي معنى من معانيه؟
- الجواب
-
قدم الإسلام تصورًا شاملا عن الكون والحياة والإنسان؛ وهذا التصور مستمد من خالق الكون والحياة والإنسان الذي يعلم ما خلق؛ ويعلم الأصلح لما خلق.. فإذا تقاطع هذا التصور مع تصورات جاء بها إنسان من هنا أو هناك؛ في هذا الزمن أو في السابق؛ فلا يجوز للمسلم الصادق في استسلامه لله عزوجل ولا للمؤمن الصادق في إيمانه بأن الله الذي خلق؛ وشرع الأصلح لما خلق أن يعترض على نصوص مقدسة جاءت من الله عزوجل أو من رسوله - صلى الله عليه وسلم- ليداري سفاهات جاءت عن الآخر الذي لا يحترم عقيدتنا.
وما صحَّ عن النبي أنَّه خَرَجَ في أَضْحَى أو فِطْرٍ إلى الْمُصَلَّى فَمَرَّ على النِّسَاءِ فقال: "يا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ: وَبِمَ يا رَسُولَ اللَّهِ قال تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، ما رأيت من نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ من إِحْدَاكُنَّ. قُلْنَ: وما نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى. قال: فَذَلِكِ من نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إذا حَاضَتْ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ؟ قُلْنَ بَلَى. قال: فَذَلِكِ من نُقْصَانِ دِينِهَا"(1).
والمراد بالعقل هنا ليس الذي يعقل صاحبه عن الجهل ويحبسه عن الحماقة، أو الذي يدفع صاحبه إلى الإمساك عن القبيح وقصر النفس وحبسها على الحسن، فهذا المرأة والرجل فيه سواء لأنه مناط التكليف الذي لو خفَّ أو انعدم ينعدم التكليف معه، وكل من المرأة والرجل يفكران ويعقلان.
ولكن المراد ما ذكره التشريع لأسباب يعلمها المشرع من أن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل؛ وذاك ليس لأن عقلها بنصف عقله بل لمعنى خاص هو في التشريعات راعت أمورًا كثيرة؛ وهذا في المعاملات المالية فقط وإلا فشهادة المرأة في بعض الحالات ترد كل شهادات الرجال؛ كما في شهادة القابلة على حياة المولود أو وفاته.
وليس المراد من نقصان الدين هنا نقصانَ التدين بوجه يأثم به المتصف به كمن ترك الصلاة بلا عذر، بل هو معنى مجازي لا يأثم المتصف به؛ كترك الحائض الصلاة والصوم فإنه عذر ورخصة منحها الله للمرأة التي تعيش وضعًا نفسيا ووظيفيا خاصًا، وهذا من باب الرحمة بها والمراعاة لخصوص حالتها؛ وليس تنقيصًا لها.
وإلا فالإسلام كرم المرأة أمًا، وكرمها زوجة، وكرمها ابنة، وكرمها أختًا.
كرم المرأة أمًا وأمر ببرها قبل الأب، فعندما سأل رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - من أَحَقُّ الناس بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قال: "أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ"(2)فقدم مرتبة المرأة الأم على مرتبة الرجل الأب بثلاث درجات.
وكرمها زوجة وأمر بمعاشرتها بالمعروف فقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) ( النساء19) فإن أراد مفارقتها بتسريح حسن ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) (البقرة 229 ).
وكرمها ابنة فجعل جزاء حسن تربيتها الجنة ولم يرد نص في ذلك للذكر فقال - صلى الله عليه وسلم - : "من كن له ثلاث بنات فعالهن وآواهن وكفهن وجبت له الجنة؟ قلنا: وثنتين؟ قال: وثنتين. قلنا: وواحدة؟ قال: وواحدة"(3)
وكرمها أختًا فجعل كفالتها على أخيها بعد أبيها وحمله مسؤولية رعايتها.
والمسألة تحتاج إلى وقفة أطول نسأل الله أن ييسر لها.
(1)رواه البخاري، بَاب تَرْكِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ، برقم 298، ومسلم، بَاب بَيَانِ نُقْصَانِ الْإِيمَانِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، برقم 79.
(2)رواه مسلم، برقم 2548.
(3)الطبراني، المعجم الأوسط، حديث رقم 6199.
- الموضوع الفقهي
- شرح حديث
- عدد القراء
- 187