- الباب الفقهي
- فتاوى أخرى
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- الإسلام والحب
- السؤال
- ما ما موقف الإسلام من الحب؟
- الجواب
-
الحب لا يحمد مطلقا، ولا يذم مطلقا. وإنما يحمد ويذم باعتبار المحبوب. فمتى كان المحبوب مما يُحَبُّ لذاته، أو وسيلةً توصله إلى ما يحب لذاته، لم تذم المبالغة في محبته، بل تحمد.
وما يحب لذاته هو الله -عز وجل- . وهو أعظم ما يحب، وأولى من يحب؛ وفي حب الله أعظمُ صلاح للعبد. وليس للقلب صلاح ولا نعيم إلا بأن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن تكون محبتُه لغير الله تابعةً لمحبة الله فلا يحب إلا لله؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسام -: ( ثَلَاثٌ من كُنَّ فيه وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: من كان الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ الله منه كما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ) *.
ومعنى حلاوة الإيمان: الاستلذاذ بالطاعات، ومشاقِ التكليف في رضا الله، وإيثار ذلك على عرض الدنيا. ولا ريب أن هذا من أعظم الحب، وعنه ينبثق الحب في الله لرسوله، ثمَّ لصحابة رسوله، ولأهل بيته، وجميع أهل طاعته.
وهناك بعد هذا الحب الإيماني؛ حبُّ الوالدين الذين قرن الله برهما بوحدانيته، وهما أصحاب الفضل الأول عليه بعد الله -عز وجل -.
وبعدهما حبُ الزوجِ شريكَ حياته، وهو الذي وصفه رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في الرجال، فقال: ﴿خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وأنا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي﴾ **. ووصفه في النساء كما جاء في قوله لامرأة أتت تطلب حاجة منه: ( فلما قضت حاجتها قال: ألكِ زوجٌ؟ قالتْ: نعم. قالَ: فأينَ أنتِ منه؟ قالتْ: ما آلوه خيرًا إلا مَا عجزتُ عنه. قال: انظري فإنَّه جنتُك ونارُك) ***.
وقد بارك الإسلام هذا الحب الذي يبغي صاحباه به تحقيق مقاصد الزواج في إعفاف النفس، وبناء البيت المسلم الذي ينشر السكينة، ويفوح بالمودة والرحمة، فجعله آية من آيات الله، كما في قوله تعالى : ((ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)) سورة الروم، الآية: 21.
أما الحبُ المتعلق فيما لا يرضي الله، والمبني على معصية الله؛ من خلوة مع من لا تحل الخلوة به، ولمسٍ وتقبيلٍ، وغير ذلك. فهذا الذي قال الله فيه: ﴿(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)﴾ سورة الزخرف، الآية:67 . والخليل: هو الصاحب الذي يتخلل حبه قلب صاحبه. فكل حب، وكل خلة سوى ما تقدم من حب مشروع سيتحول يوم القيامة إلى عداوة إلا إذا كان في الله، وبني على التقوى.
وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ على الرِّجَالِ من النِّسَاءِ) ****. ففتنة الرجال بالنساء؛ وتقابلها فتنة النساء بالرجال أشدُّ ضررًا من الفتنة بأي شيء آخر لاسيما الشاب المؤمن الملتزم والشابة الملتزمة.
فالفتاة الصالحة والشاب الصالح هما اللذان يبنيان الحب الذي لا يورث العداوة؛ لأنه قام على حب الله وطاعته. وينتظران الشريك الصالح ليفيضا عليه حبًا في الله، ويقيما هذا الحب كما أمر الله للسكن فيما بينهما؛ وعلى المودة والرحمة، وليس كما تهوى النفس الأمارة بالسوء.
وأنصح أبنائي الشباب وبناتي أن يدعوا بما دعا به النبيُ -صلى الله عليه وسلم- للشَابِّ الذي أتى يستأذن بِالزِّنَا فدعا له: (اللهم اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ) *****. فإنه دعاءٌ يحبب العفاف ويرفع الهمة .
* رواه مسلم 1/66، بَاب بَيَانِ خِصَالٍ من اتَّصَفَ بِهِنَّ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، برقم 43.
** رواه الترمذي 5/709، برقم 3895 وقال: حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وابن ماجه 1/636، بَاب حُسْنِ مُعَاشَرَةِ النِّسَاءِ، برقم 1977.
*** مصنف ابن أبي شيبة 3/557، برقم 17125. وغيره.
**** رواه البخاري 5/1959، بَاب ما يُتَّقَى من شُؤْمِ الْمَرْأَةِ، برقم 4808. ومسلم 4/2097، برقم 2740.
***** مسند أحمد بن حنبل 5/256، حديث رقم 22265.
- الموضوع الفقهي
- حكم الحب
- عدد القراء
- 175