- الباب الفقهي
- العقائد
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- اليمين الغموس في المحكمة
- السؤال
- أقسمت في المحكمة في قضية لأحد أقربائي، وأنا أعلم أنه ليس له حق، فما الكفارة المترتبة علي؟
- الجواب
-
من الأخطاء الشائعة التي تدل على تفشي الجهل في الدين إلى حد مزرٍ: أن يتصور الناس أن الشهادة في القضاء مجال يمكن أن يحابى فيه القريب والصديق، ثم تدفع الكفارة، وينتهي كل شيء.
إن مثل هذه الشهادة من الكبائر التي حذر منها نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ثَلَاثًا أو قَوْلُ الزُّورِ فما زَالَ يُكَرِّرُهَا حتى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ) *.
والزور: تمويه الباطل بما يوهم أنه حق. وهو من الكذب، وعظم الكذب ومراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده. ومن أعلى درجات الكذب شهادة الزور؛ لأن الشاهد بها كاذب، آثم ثلاثة آثام:
الأول: إثم معصية الكذب، الذي نهت النصوص عنها. ويكفي في تبشيعه قوله -صلى الله عليه وسلم-: ( إنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ) **. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَيْلٌ لِلَّذِي يحدث بِالْحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ فَيَكْذِبُ وَيْلٌ له وَيْلٌ له) .***
الثاني: إثم إعانة الظالم. وقد ورد فيه من المناهي. والأصل أن يمنع المسلم أخاه من الظلم، وليس أن يعينه عليه.
الثالث: وفي المقابل هو إثم خذلان المظلوم. والأصل أننا مأمورون بنصرة المظلوم، وليس بخذلانه. ويكفي في تبشيع خذلان المظلوم ما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- : (ما مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِماً عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فيه حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فيه من عِرْضِهِ إلا خَذَلَهُ الله سبحانه وتعالى في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصْرَتَهُ) ****.
والتوبة في مثل هذه الحال تستلزم إرجاع الحقوق وإرضاء المظلوم، وذلك لا يكون إلا بأحد طرق ثلاثة:
الأول: تذهب لمن شهدت له وتلزمه بإرجاع ما اغتصب من حق بسبب شهادتك.
الثاني: إذا رفض المشهود له ذلك، فيجب عليك أن تذهب إلى المحكمة، وتعترف بأنك شهدت زورًا ليُردَّ الحقُ إلى أهله.
الثالث: تدفع للمظلوم ما يرضيه عنك، وتشتري منه مظلمة عدم نصرتك له عسى أن يسامحك، فيغفر الله لك.
ثم بعد ذلك نفكر في كفارة مثل هذا اليمين، وهو المسمى اليمين الغموس التي ينغمس صاحبها في الإثم، فهي أعظم من أن يكون فيه كفارة.
لذلك قال الحنفية والمالكية والحنابلة: لا كفارة فيها؛ واحتجوا بقوله تعالى: ((لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ)) سورة المائدة، الآية:89 . فالكفارة لليمين المنعقدة. وهذه يمين غير منعقدة؛ لأن المنعقد ما يمكن حله، ولا يتأتى في اليمين الغموس البر أصلا. وقد ورد عن عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه- قال: "كنا نعد من الذنب الذي ليس له كفارة اليمين الغموس. قيل: وما اليمين الغموس؟ قال: الرجل يقتطع بيمينه مال الرجل" *****.
وقال الشافعي: فيها الكفارة، والكفارة هنا لا تكون إلا بعد صدق التوبة، وإرجاع الحق للمظلوم.
* رواه البخاري 6/2535، كِتَاب اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ، بَاب إِثْمِ من أَشْرَكَ بِاللَّهِ، برقم 6521. ومسلم 1/91، بَاب بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا، برقم 87.
** رواه البخاري 5/2261، برقم 5743.
*** أخرجه الترمذي 4/557، بَاب فِيمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يُضْحِكُ بها الناس، برقم2315 وقال: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
**** أخرجه أبو داود 4/271، حديث رقم 4884، ومسند أحمد بن حنبل 4/30، برقم 16415.
***** أخرجه الحاكم، المستدرك على الصحيحين 4/329، حديث رقم 7809 وقال عنه: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والبيهقي في الكبرى 10/38، برقم 19668.
- الموضوع الفقهي
- حكم اليمين الغموس
- عدد القراء
- 199