حلفت يمينا على أمر كنت أظنه صوابا، فتبين أن الأمر على خلاف ما تصورت، فما حكم هذا اليمين؟ جزاكم الله خيرا.
- الباب الفقهي
- العقائد
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- الحلف
- السؤال
- حلفت يمينا على أمر كنت أظنه صوابا، فتبين أن الأمر على خلاف ما تصورت، فما حكم هذا اليمين؟ جزاكم الله خيرا.
- الجواب
-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فيجب على المسلم أن يحافظ على يمينه، ولا يتسرع إلى اليمين إلا عند الحاجة، وبعد التأكد من الأمر، وأما إذا حلف يمينا على غلبة ظنه ومبلغ اجتهاده ؛ فقد اختلف الفقهاء في انعقاده على ثلاثة أقوال:
القول الأول: من حلف على شيء يظنه صحيحا، ثم تبين أنه غير صحيح، فإن ذلك من لغو اليمين الذي لا كفارة فيه.
قال الإمام مالك-رحمه الله- في الموطأ [2/477]: (أحسن ما سمعت في هذا أن اللغو: حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد بخلافه، فلا كفارة فيه).
ولغو اليمين وهو: أن يحلف على شيء ماض يظنه فيبين بخلافه، فلا كفارة فيه، وحكاه ابن عبد البر القرطبي المالكي في الكافي إجماعا ،هو ظاهر المذهب، لقوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ (المائدة من الآية 89) .
وقال الإمام السرخسي-رحمه الله- في المبسوط [8/129]: (والنوع الثالث يمين اللغو، فنفي المؤاخذة بها منصوص في القرآن -فذكر الآية- واختلف العلماء في صورتها، فعندنا صورتها: أن يحلف على أمر في الماضي أو في الحال، وهو يرى أنه حق، ثم ظهر خلافه).
قال الخرقي الحنبلي-رحمه الله- في مختصره [ص 148]): (ومن حلف على شيء وهو يرى أنه كما حلف عليه، فلميكن فلا كفارة عليه ،لأنه من لغو اليمين).
وقال ابن قدامة المقدسي في المغني عند شرحه لهذه العبارة [9/497]): (أكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها، قاله ابن المنذر، يروى هذا عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك وزرارة بن أوفى و الحسن و النخعي و مالك و أبي حنيفة و الثوري، وممن قال هذا لغو اليمين: مجاهد و سليمان بن يسار و الأوزاعي و الثوري و أبو حنيفة وأصحابه، وأكثر أهل العلم على أن لغو اليمين لا كفارة فيه ،وقال ابن عبد البر: أجمع المسلمون على هذا).
وفي الجامع لأحكام القران للقرطبي [3/100]: ( قال أبو هريرة: “إذا حلف الرجل على الشيء لا يظن إلا أنه إياه، فإذا ليس هو، فهو اللغو، وليس فيه كفارة”، ونحوه عن ابن عباس. وروي: أن قوما تراجعوا القول عند رسول الله – ﷺ-وهم يرمون بحضرته، فحلف أحدهم لقد أصبت وأخطأت يا فلان، فإذا الأمر بخلاف ذلك، فقال الرجل: حنث يا رسول الله، فقال النبي– ﷺ-: “أيمان الرماة لغو لا حنث فيها ولا كفارة”).
وقال العلامة ابن عثيمين – رحمه الله تعالى- في مجموع فتاويه: (وأما من حلف على شيء بناء على غلبة الظن فتبين أنه على خلاف ظنه فلا بأس في ذلك، مثل أن يحلف أن هذا الشيء قد كان بناء على ظنه ثم يتبين أنه لم يكن فإنه ليس عليه في ذلك إثم؛ لأنه إنما حلف على ظنه وهو في حال حلفه صادق فيما يغلب على ظنه، ومثل ذلك لو قال: والله ليقدمن فلان غدا، أي ليقدمن من السفر غدا بناء على ظنه، ثم لا يقدم فإنه لا شيء عليه على القول الراجح، أي لا إثم عليه ولا كفارة ؛ وذلك لأنه إنما حلف على ظنه) .
القول الثاني: أنها يمين منعقدة فيها الكفارة.
القول الثالث: أنها يمين غموس ما لم يكن الظن قوياً أو علّقه على اعتقاده.
والمفتى به:
هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء أنه يمين لا كفارة فيه، فمن حلف بناءً على غالب ظنه فيتبين خلاف ذلك، فإنه لا إثم عليه، لأنه حلف على غالب ظنه، ويكون هذا من اللغو في اليمين. بدليل الرجل المجامع في نهار رمضان حلف بين يدي النبي ﷺ: (فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي) رواه الإمام البخاري، فحلف على غلبة ظنه؛ لأنه لم يفتش بيوت المدينة بيتاً بيتاً حتى يجزم بأنهم أفقر من غيرهم، وإنما حلف على غلبة ظنه، ولم يلزمه النبي -عليه الصلاة والسلام- بكفارة .
والله تعالى أعلم.
- الموضوع الفقهي
- حكم اليمين على غلبة الظن
- عدد القراء
- 202