ممكن أن تفصل لنا ولو بإيجاز حول عدالة الصحابة الكرام، فهناك شبهات تثار الآن حول ذلك، وجزاكم الله خيرا.
- الباب الفقهي
- العقائد
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- عدالة الصحابة
- السؤال
- ممكن أن تفصل لنا ولو بإيجاز حول عدالة الصحابة الكرام، فهناك شبهات تثار الآن حول ذلك، وجزاكم الله خيرا.
- الجواب
-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فالعدالةُ في اللغة كما جاء في الصحاح للجوهري: (العدل خلاف الجور، يقال: عدل عليه في القضية فهو عادل... وتعديل الشيء: تقويمه، يقال: عدلته فاعتدل، أي: قومته فاستقام). وقال ابن منظور في لسان العرب: (العدل من الناس: المرضي قوله وحكمه، ورجل عدل: رضا مقنع في الشهادة).
واما تعريفها اصطلاحا: فقد عرفها الخطيب البغدادي –رحمه الله تعالى- في الكفاية في علم الرواية [ص 80] بقوله: (العدل هو مَن عُرِف بأداء فرائضه، ولزوم ما أُمِر به وتوقِي ما نُهِيَ عنه، وتجنب الفواحش المسقطة وتحرَّى الحق والواجب في أفعاله ومعاملته والتوقي في لفظه مما يثلم الدين والمروءة، فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه ومعروف بالصدق في حديثه، وليس يكفيه في ذلك اجتناب كبائر الذنوب التي يسمى فاعلها فاسقًا حتى يكون مع ذلك متوقيًا لما يقول كثير من الناس أنه لا يعلم أنه كبير). وقال الحافظ ابن حجر –رحمه الله تعالى -في نزهة النظر[1/58]: (المراد بالعدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة؛ والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة).
وقال الإمام النووي – رحمه الله- في التقريب والتيسير[1/7]: (أجمع المشاهير من أئمة الحديث والفقه أنه يشترط فيه-الراوي- أن يكون عدلاً ضابطاً، بأن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً، سليماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظاً، حافظاً إن حدث من حفظه، ضابطاً لكتابه إن حدث منه، عالماً بما يخيل المعنى إن روى به).
وأما تعريف الصحابي شرعا فقد قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في الإصابة في تميز الصحابة: أصح ما وُقِفَ عليه: (أن الصحابي من لقي النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- مؤمنا به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولم يجالسه ومن لم يره لعارض كالعمى) .
وقال الإمام النووي –رحمه الله تعالى- في شرح صحيح مسلم: (وفضيلة الصحبة ولو للحظة لا يوازيها عمل ولا تنال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بالقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).
وعدالة الصحابة الكرام -رضوان الله تعالى عليهم- عند جماهير المسلمين، من مسائل العقيدة القطعية التي لا يصلها أي شك، وهي مما علم من الدين بالضرورة؛ لأنهم نقلة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والطعن في عدالتهم يستوجب الطعن بالوحيين، وهو مما اتفق عليه أئمة الإسلام ونقاد الحديث، ولا يعرف من طعن فيهم وشكك في عدالتهم إلاَّ الشذاذ من أصحاب الأهواء والفرق الضالة المنحرفة ممن لا يلتفت إلى أقوالهم، ولا يعتد بها في خلاف ولا وفاق .
قال الإمام أبو حامد الغزالي–رحمه الله تعالى- في المستصفى في أصول الفقه [1/307]: ( والذى عليه سلف الأمة، وجماهير الخلق، أن عدالتهم معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيهم، إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لا يثبت فلا حاجة لهم إلى التعديل - ثم ذكر بعض ما دل على عدالتهم من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ...ثم قال: فأي تعديل أصح من تعديل علام الغيوب - سبحانه - وتعديل رسوله ﷺ كيف ولو لم يرد الثناء لكان فيما اشتهر وتواتر من حالهم فى الهجرة، والجهاد، وبذل المهج، والأموال، وقتل الآباء والأهل، في موالاة رسول الله ﷺ، ونصرته، كفاية في القطع بعدالتهم)، وقال الحافظ ابن الصلاح –رحمه الله تعالى- في مقدمته في علوم الحديث [ص 397]: (للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنه لايسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ عنه، لكونهم على الإطلاق معدولين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران 100) قيل: اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله ﷺ ..
وإن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحساناً للظن بهم، ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر، فكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك؛ لكونهم نقلة الشريعة، والله أعلم).
فاعتقاد أهل السنة والجماعة؛ تزكية جميع الصحابة وجوباً بإثبات العدالة لكل منهم، والكف عن الطعن فيهم، والثناء عليهم كما أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم.
قال الإمام ابن عبد البر القرطبي –رحمه الله تعالى- الاستيعاب في معرفة الأصحاب[1/1]: (فهم خير القرون وخير أمة أخرجت للناس، ثبتت عدالة جمعيهم بثناء الله عز وجل عليهم وثناء رسول الله ﷺ، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ﷺ رنصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منها، قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِيْنَ مَعَهُ...﴾ (الفتح 29)).
فالحكم بعدالتهم من الدين، ومن الشهادة بأن الرسول ﷺ قام بما أمره الله به، والطعن فيهم يعني الطعن بإمامهم ومربيهم ومعلمهم ﷺ، كما أن الطعن فيهم مدخل للطعن في القرآن الكريم، المتواتر في تبليغه، والطعن فيهم يسقط التواتر والعياذ بالله تعالى.
ويستدلون على عدالتهم بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة نذكر بعضها على سبيل الاختصار: قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [سورة البقرة 143]، ووجه الاستدلال بهذه الآية على عدالة الصحابة رضي الله عنهم أنهم وسطاً بمعنى: عدولاً خياراً كقوله تعالى في قصة أصحاب الجنة : ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾ [سورة نون 28]، والمخاطب بالآية وقت النزول هم أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي نزل فيهم القرآن وهذه شهادة من الله تعالى بعدالتهم التي بها استحقوا أن يكونوا شهداء على الناس، وقوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [سورة التوبة 100]، يخبر الله تعالى أنه قد رضي عن السابقين الأولين من الصحابة الكرام، وكذلك الذين اتبعوهم بإحسان فلم يسبوهم أو يبغضونهم،
قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في الصارم المسلول على شاتم الرسول: (فرضي عن السابقين من غير اشتراط الإحسان، ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان)، ومن أتباعهم بإحسان الترضي والاستغفار لهم والقول بعدالتهم .
وقوله تعالى: ﴿قَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ (سورة الفتح 18)، قال جابر بن عبد الله – رضي الله عنه- كنا ألفا وأربعمائة، رواه البخاري في كتاب المغازي، فهذه الآية ظاهرة الدلالة على تزكية الله لهم، تزكية لا يخبر بها، ولا يقدر عليها إلا الله تعالى، وهي تزكية بواطنهم وما في قلوبهم، ومن هنا رضي عنهم، ومن رضي عنه تعالى لا يمكن موته على الكفر؛ لأن العبرة بالوفاة على الإسلام، فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام.
واما إثبات عدالتهم من السنة النبوية المطهرة فكثير أيضا، منها على سبيل المثال؛ عن عمران بن حصين - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((خير أمتي قرني ،ثم الذين يلونهم، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا)) متفق عليه، وفي رواية: خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم. معنى: خير أمتي قرني: خير أمتي الصحابة، والقرن معتبر بمعظم الناس، فإذا كان معظم الناس الصحابة، فالقرن قرنهم، وإذا كان معظم الناس التابعين، فالقرن قرنهم، وهكذا. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (( لا تسبوا أحدا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه))متفق عليه.
ومعنى ذلك لو أن أحدا غيرهم أنفق في سبيل الله تعالى بقدر جبل أحد ذهبا ،وهو أغلى ما ينفق ما بلغ مد الشعير الذي يتصدق به الصحابي ولا نصيفه، أي الجزء القليل منه، وهذا لعظم مكانة الصحبة عند الله وفضلها ودليل الصدق والإخلاص في العمل لله تعالى، وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وانا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)) رواه مسلم.
والخلاصة:
إن تعديل الصحابة رضي الله عنهم أمر متفق عليه بين المسلمين دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولا يطعن فيهم إلاَّ جاهل أو مغرض، ورضي بأن يسلم عقله وفكره لأعداء الدين، معرضا عن كلام الله تعالى وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام وإجماع الامة.
وإثبات عدالتهم لا تعني عصمتهم عن المعصية، قال ابن الأنباري-رحمه الله تعالى- كما في فتح المغيث [3/115]: (وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف وبحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية، إلا إن ثبت ارتكاب قادح ولم يثبت ذلك ولله الحمد، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير فإنه لا يصح، وما صح فله تأويل صحيح ).
والله تعالى أعلم.
- الموضوع الفقهي
- عدالة الصحابة
- عدد القراء
- 206