ما حقيقة الإيمان الشرعية عند أهل السنة والجماعة ؟ وهل العمل داخل في مسمّى الايمان ؟ جزاكم الله خيرا.
- الباب الفقهي
- العقائد
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- حقيقة الايمان الشرعية
- السؤال
- ما حقيقة الإيمان الشرعية عند أهل السنة والجماعة ؟ وهل العمل داخل في مسمّى الايمان ؟ جزاكم الله خيرا.
- الجواب
-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
الإيمان له في لغة العرب استعمالان :
الأول: يتعدى بنفسه فيكون معناه التأمين، أي: إعطاء الأمان، وأمنه ضد أخافه قال تعالى: ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾[ سورة قريش الآية5]، وقال تعالى: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾[ سورة التين الآية3]،أي الآمن ويعني مكة.
والثاني: يتعدى بالباء أو اللام فيكون معناه التصديق، قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾[ سورة يوسف الآية-17]،أي بمصدق، والتصديق كما يكون بالقلب واللسان يكون بالجوارح أيضا، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: ((والفرْج يصدق ذلك أو يكذبه)) متفق عليه.
أما في الاصطلاح الشرعي: فقد أجمع العلماء على أن الإيمان: هو الإيمان بالله تعالى، وبملائكته، وبكتبه، وبرسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
وحقيقته عندهم: هو قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، قال تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا ﴾ [مريم: 76]، وقال رسول الله – ﷺ- في الحديث الصحيح: (الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) رواه مسلم . وقد قرن الله تعالى العمل مع الإيمان في آيات كثيرة لامجال لذكرها هنا، منها على سبيل المثال لا الحصر ؛ قوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [سورة النساء:124].وقوله تعالى: ) إنّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُالْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) [الكهف:107].
وهو التصديق الجازم، والإقرار الكامل، والاعتراف التام؛ بوجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، واستحقاقه وحده العبادة، واطمئنان القلب بذلك اطمئناناً تُرى آثاره في سلوك الإنسان، والتزامه بأوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، وقبول جميع ما أخبر به النبيّ ﷺ عن ربه عز وجل، وعن دين الإسلام؛ من الأمور الغيبية، والأحكام الشرعية، وبجميع مفردات الدين، والانقياد له ﷺ بالطاعة المطلقة فيما أمر به، والكف عما نهى عنه ﷺ وزجر؛ ظاهراً وباطناً، وإظهار الخضوع والطمأنينة لكل ذلك. قال الامام الشافعي-رحمه الله تعالى- في كتاب الأم: (وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركنا؛ أن الإيمان قول وعمل ونيّة، لا يجزي واحد من الثلاثة عن الآخر) [ الايمان لابن تيمية 265].
وقال الإمام البخاري-رحمه الله تعالى- في الصحيح: (لقيت أكثر من ألف رجل من علماء الامصار، فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص).
وقد بوّب البخاري في صحيحه من كتاب الإيمان أبوابا أثبت فيها على أن الإيمان قول وعمل وأن العمل داخل في مسمّى الإيمان.
وقال الإمام محمد بن جرير الطبري شيخ المفسرين: (والصواب لدينا من القول أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وبه الخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ، وعليه مضى أهل الدين والفضل).
وقال الإمام البغوي –رحمه الله تعالى-: (اتفق الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السّنة على أن الأعمال من الإيمان، وقالوا: أن الإيمان قول وعمل وعقيدة).[ شرح اعتقاد اهل السنة والجماعة لللاكائي].
وقال الحافظ ابن عبد البر-رحمه الله تعالى- في التمهيد [9/252]: (أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنيّة ).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي –رحمه الله تعالى- في جامع العلوم والحكم [1/107]: (والمشهور عن السلف وأهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ونية، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان، وحكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم، وأنكر السلف على من أخرج الأعمال عن الإيمان إنكارا شديدا، وممن أنكر ذلك على قائله وجعله قولا محدثا: سعيد بن جبير، وميمون بن مهران، وقتادة، وأيوب السختياني، والنخعي، والزهري، وإبراهيم، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم، وقال الثوري: هو رأي محدث أدركنا الناس على غيره. وقال الأوزاعي: وكان من مضى من السلف لا يفرقون بين العمل والإيمان... ) .
فالسلف فرقوا بين جنس العمل والذي يعتبر ركنا داخلا في مسمّى الإيمان، وبين آحاد العمل وأفراده والتي منها الواجب ومنها المستحب، فمنها ما يعد شرطا في صحة الإيمان، ومنها ما يعد شرط في كماله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى- في كتاب الايمان [ص 166]: (لفظ الكمال قد يراد به الكمال الواجب، وقد يراد به الكمال المستحب)، وذلك يتضح بالقرائن؛ مثل قوله ﷺ في سنن الترمذي وابي داود: (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ))، ومثل قولهﷺ ((لا إيمان لمن لا أمانة له)) مسند أحمد وصحيح ابن حبان، وقوله ﷺ:((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) متفق عليه، وقولهﷺ: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه)) متفق عليه،
قال الإمام النووي –رحمه الله تعالى- في شرح صحيح مسلم [1/42]: (فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله ومختاره، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة)، ونظير ذلك كثير يدل على نفي كمال الإيمان لا نفي الصحة كما يدعي الخوارج.
وأما قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [ النساء:65].
وفي الآية هنا نفي لأصل الإيمان وصحته، قال الإمام الرازي –رحمه الله تعالى- في تفسيره: (وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول عليه الصلاة والسلام).
وخلاصة ما سبق من حقيقة الإيمان الشرعي: أن الإيمان تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومطلق العمل جزء من مسمّى الإيمان، والإيمان مكون من هذه الأشياء، من تصديق القلب وقول اللسان وعمل الجوارح وعمل القلب، فكل هذه أجزاء الإيمان.
قال الامام ابن القيم –رحمه الله تعالى- في الصلاة وأحكام تاركها: (إن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام، والعمل قسمان: عمل القلب: وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سراً وجهراً، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به).
هذا ملخص ما جاء في عقيدة السلف الصالح من القرون الثلاثة المفضلة بنص الحديث الصحيح، في باب الإيمان والعمل.
فنسأل الله تعالى أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح.
والله تعالى أعلم.
- الموضوع الفقهي
- حقيقة الايمان الشرعية
- عدد القراء
- 199