نحن مجموعة من طلبة العلم اختلفنا في مسألة تقرير الاسماء والصفات لله تعالى، ممكن تفصل لنا المنهج الحق في ذلك ،جزاكم الله خيرا.
- الباب الفقهي
- العقائد
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- تقرير الاسماء والصفات لله تعالى
- السؤال
- نحن مجموعة من طلبة العلم اختلفنا في مسألة تقرير الاسماء والصفات لله تعالى، ممكن تفصل لنا المنهج الحق في ذلك ،جزاكم الله خيرا.
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المنهج الحق هو منهج السلف الصالح من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان في أسماء الله وصفاته، وهو إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، ونفي ما نفاه عن نفسه في كتابه الكريم، وما أثبته له رسوله ﷺ ونفي ما نفاه عنه في الأحاديث الصحيحة من غير تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف، مع إثبات ما تضمنته تلك الأسماء من صفات الكمال على الوجه اللائق بذي العزة والجلال، وإثبات ما يتعلق بهذه الأسماء والصفات من أحكام ومقتضيات، وهذا الإثبات مما تواتر نقله عن أئمة السلف الصالح سلفاً وخلفاً وأجمعوا عليه،تقيدا بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [الشورى:11].
فقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ رد على المُمَثِل المُكَيف، وقوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ رد على المُعطِل والمُحرِّف، والذي درج عليه سلف الأمة الصالح ومن تابعهم بإحسان واتفقوا عليه هو:
الإقرار والتصديق لآيات الأسماء الصفات وأحاديثها، وإمرارها كما جاءت وإثباتها، دون تشبيه أو تكييف،أو تعطيل، أو تحريف، فهم يثبتون معنى الاسماء والصفات ويفوضون الكيفية لله تعالى بما يليق بكماله وجلاله .
وهذا هو اعتقاد أئمتنا الأربعة المتبوعين المرضيين وغيرهم من أئمة السلف في الأسماء والصفات، فقد قال الإمام أبو حنيفة النعمان –رحمه الله تعالى- في الفقه الاكبر [1/159]: (لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السنة والجماعة، وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته، ورضاه ثوابه، ونَصِفُه كما وصف نفسه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، حي قادر سميع بصير عالم، يد الله فوق أيديهم، ليست كأيدي خلقه، ووجهه ليس كوجوه خلقه ).
وقال الإمام أبو حنيفة ايضا في الفقه الاكبر [ 1/27]: (وله يد ووجه ونفس كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن، من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف، ولا يقال: إن يده قدرته أو نعمته؛ لأن فيه إبطالَ الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال… ).
وقَالَ أيضا في الفقه الاكبر [1/135]: (من قَالَ لَا أعرف رَبِّي فِي السَّمَاء اَوْ فِي الأَرْض فقد كفر، وَكَذَا من قَالَ: إِنَّه على الْعَرْش وَلَا أدري الْعَرْش أَفِي السَّمَاء اَوْ فِي الأَرْض، وَالله تَعَالَى يدعى من أعلى لَا من أَسْفَل لَيْسَ من وصف الربوبية والألوهية فِي شَيْء وَعَلِيهِ مَا روى فِي الحَدِيث: (أن رجلا اتى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأمة سَوْدَاء فَقَالَ: وَجب عَليّ عتق رَقَبَة أفتجزىء هَذِه، فقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمؤمنة أَنْت؟ فَقَالَت: نعم فَقَالَ: أَيْن الله ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: اعتقها فَإِنَّهَا مُؤمنَة).
وأما امام دار الهجرة مالك ابن انس –رحمه الله تعالى- فما نقل عنه كثير ونكتفي بما يأتي: عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالكاً، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات؛ فقالوا أمِرّوها كما جاءت.[ الشريعة للآجري ص314، التمهيد لابن عبد البر 7 /149].
وعن ابن نافع، وأشهب، انهما سألا الامام مالك –رحمه الله-: يا أبا عبد الله ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [سورة القيامة: الآيتان 22، 23]، ينظرون إلى الله تعالى؟ قال: نعم بأعينهم هاتين؛ فقلت له: فإن قوماً يقولون: لا ينظر إلى الله، إنَّ ﴿نَاظِرَةٌ﴾ بمعنى منتظرة الثواب. قال: كذبوا بل ينظر إلى الله أما سمعت قول موسى عليه السلام: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ [سورة الأعراف: الآية 143] أفترى موسى سأل ربه محالاً؟ فقال الله: ﴿لَن تَرَانِي﴾ [سورة الأعراف: الآية 143] أي في الدنيا لأنها دار فناء ولا ينظر ما يبقى بما يفنى فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى إلى ما يبقى وقال الله: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ [سورة المطففين: الآية 15 ].[ترتيب المدارك للقاضي عياض ج2 ص42].
وعن جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [سورة طه: الآية 5] كيف استوى؟ فما وجد – غضب- الإمام مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعودٍ في يده علاه الرحضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى بالعود، وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج. [الحلية لابي نعيم 6 /325، التمهيد 7 /151، الأسماء والصفات للبيهقي ص407 ]. وفي التمهيد لابن عبد البر [7/138] عن عبد الله بن نافع قال: (قال مالك بن أنس: الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان).
وقال الإمام محمد بن ادريس الشافعي -رحمه الله تعالى-: (لله تعالى أسماء و صفات جاء بها كتابه، و أخبر بها نبيه أمته، لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل بها، و صح عن رسول الله ‘ القول بها فيما روى عنه العدول، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، أما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية و الفكر، و لا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، و تثبت هذه الصفات، و ينفي عنها التشبيه كما نفى التشبيه عن نفسه، تعالى فقال سبحانه: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ [ إثبات صفة العلو لابن قدامة المقدسي(124)، الذهبي في: العلو 166].
وقال أيضا: (القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها، أهل الحديث الذين رأيتهم، وأخذت عنهم مثل سفيان، ومالك، وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن اللهَ تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء). [إثبات صفة العلو ص124، والعلو للذهبي ص120]. وعنه أنه قال: (نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن، ووردت بها السنة، وننفي التشبيه عنه، كما نفى عن نفسه، فقال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾. [سير اعلام النبلاء للذهبي ج20 ص341] .
وعن الربيع بن سليمان قال: حضرت محمد ابن إدريس الشافعي، جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قوله تعالى: )كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ( [سورة المطففين: الآية 15] قال الشافعي: فلما حجبوا هؤلاء في السخط؛ كان هذا دليلاً على أنه يرونه في الرضا.
قال الربيع: قلت يا أبا عبد الله وبه تقول؟ قال: نعم به أدين اللهَ. [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 2 /506].
وأما الإمام المبجل أحمد بن حنبل –رحمه الله- فقد قال: (صفوا الله بما وصف به نفسه، وانفُوا عن الله ما نفاه عن نفسه) [سير أعلام النبلاء 10 /591 ]. وعن حنبل، قال: سمعت أبا عبد الله – أحمد بن حنبل-، يقول: (نعبد الله بصفاته كما وصف به نفسه، قد أجمل الصفة لنفسه، ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه، ولا نتعدى ذلك، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه تعالى ذكره صفة من صفاته شناعة شنعت، ولا نزيل ما وصف به نفسه من كلام، ونزول وخلوه بعبده يوم القيامة، ووضع كنفه عليه، هذا كله يدل على أن الله يرى في الآخرة، والتحديد في هذا بدعة، والتسليم لله بأمره، ولم يزل الله متكلما عالما، غفورا، عالم الغيب والشهادة، عالم الغيوب، فهذه صفات الله وصف بها نفسه، لا تدفع، ولا ترد ).[الابانة الكبرى لابن بطة 7/326].
قال الإمام أبو الحسن الأشعري –رحمه الله- في كتابه الإبانة عن أصول الديانة [1/21]: (قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل، وبسنة نبينا محمد ﷺ، وما روى عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته - قائلون، ولما خالف قوله مخالفون؛ لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيع الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدَّم، وجليل مُعظَّم، وكبير مُفهَّم).
والخلاصة:
إن المذهب الحق هو ما اتفق عليه سلف الأمة الصالح قبل ظهور الفرق والانحراف هو: الإقرار والتصديق لآيات الأسماء الصفات وأحاديثها، وإمرارها كما جاءت وإثباتها، دون تشبيه،أو تعطيل، أو تحريف، فهم يثبتون معنى الأسماء والصفات ويفوضون الكيفية لله تعالى بما يليق بكماله وجلاله، فكل ما دار ببالك فالله خلاف ذلك سبحانه وتعالى. ولا ينبغي لطلبة العلم أن يختلفوا على هذا الإعتقاد ويتنازعوا فيما بينهم ،مما يسبب انتشار البغضاء والشحناء والتنابز بالألقاب وإطلاق الاتهامات، في وقت أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة والائتلاف وترك الفرقة، وما أجمل قول القائل: نحن نجادل في مسائل شاب عليها الصغير وهرم فيها الكبير .
فالتسليم لمنهج السلف الصالح من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان، في هذه المسائل أسلم وأحكم فليسعنا ما وسعهم.
والله تعالى أعلم .
- الموضوع الفقهي
- تقرير الاسماء والصفات لله تعالى
- عدد القراء
- 201