العوالم التي تحدث عنها القرآن عالمان: عالم الغيب، وعالم الشهادة. وحقيقة عالم الغيب من اختصاص الله تعالى: ((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)) سورة الحشر، الآية:22 . ولا مصدر لنا لمعرفة هذا العالم إلا القرآن: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ)) سورة الجن، الآية:27 . ونحن مأمورون بالإيمان بالغيب والتسليم له؛ وليس بالبحث في علم الغيب، قال تعالى: (( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)) سورة البقرة، الآية:3

وكل مَن يدعي معرفة غيب عن غير هذا الطريق كاذب، لذا عاب القرآن الرجم بالغيب، وهو ادعاء معرفة غيبية من غير مصادرها، فقال في ادعاء معرفة عدد أهل الكهف: (( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ)) سورة الكهف، الآية:22.

ويؤكد هذا المعنى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: (مفاتيح الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إلا الله؛ لَا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلا الله ولا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إلا الله ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إلا الله ولا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلا الله). وعندما جَلَسَ في عرس وجوارٍ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ من قُتِلَ من الأنصار يوم بَدْرٍ، فقالت إِحْدَاهُنَّ وهي تقصد مدحه -صلى الله عليه وسلم-: (وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ ما في غَدٍ). ردَّ عليها ادعاءها، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (دَعِي هذه وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ) **.

فنفى عنه علمه الغيب، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وعلى المسلم أن يبذل الجهد في معرفة عالم الشهادة، ليكون له دور في بناء حضارة الأمة. أو معرفة علم الدين (التفسير والحديث والحلال والحرام) ليحقق العبودية الحقة؛ فهذا ما أمرنا به. ولا يجوز لنا القفز إلى الغيب؛ وادعاء العلم به؛ لأن هذا منزلق شيطاني نعوذ بالله منه.

* رواه البخاري حديث رقم 4420

** رواه البخاري، بَاب ضَرْبِ الدُّفِّ في النِّكَاحِ وَالْوَلِيمَةِ، حديث رقم 4852 .