- الباب الفقهي
- العقائد
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- شبهات الملاحدة
- السؤال
- يثير بعض الملاحدة شبهات؛ منها مسألة وقوع المصائب على الحيوانات وهي غير مكلفة وعدم تعويضها في الآخرة، فما تأويل وقوع المصائب على هذه البهائم، ولاسيما أنها في الآخرة لن تعوض بشيء بل ستكون تراباً ولن تدخل الجنة؟ وسؤال آخر مرتبط بهذا الموضوع: وهو ما حقيقة الظلم الذي نفاه الله عن نفسه؟ وما حده؟
- الجواب
-
من مُسَلَّمات المسلمين: الإيمان بالله الذي من صفاته أنهُ حكيمٌ؛ فالحكيم من أسمائه الحسنى التي وردت في مثل قوله: ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )) سورة الأنعام، الآية:18 .
والحكيم هو الذي لا يضع الشيء إلا في موضعه، فما يضع من أقدار على البهائم وغيرها لا يتخلف عن صفة الحكمة له. ولكنَّا قد نجهل الحكمة، وقد تغيب عنا، وغياب الحكمة عنّا لا يعني عدم وجودها، سبحانه وتعالى عن العبث ((وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)). أي عابثين. وغياب الحكمة عنا لا يعطينا حق الاعتراض لذا قال تعالى : (( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)).
ومن المسلمات مع حكمته: الإيمانُ بأنه عدل في صفته وحكمه وأمره. ومن العدل أن لا يعاقِب أحدًا بذنبِ غيره، ولا يهضمه ذرةً من حسن أعماله، قال تعالى: ((وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْماً وَلَا هَضْماً)) سورة طه، الآية:112. فلا يخاف الظلم بزيادة سيئاته؛ ولا الهضم بنقص حسناته. ومعنى العدل: أن يتصرف المالك في ملكه بما يشاء. ومعنى الظلم: منع غيره من التصرف في حقه؛ والله سبحانه لا يكون ظالما بتصرفه في عباده؛ لأنهم ملكه. وإنما يكون ظالما –وحاشاه- إذا منع غيره حقا لذلك الغير عليه. وهذا الذي حرمه الرب على نفسه، بل وأوجب على نفسه خلافه. وأما إذا منع غيره ما ليس بحق لم يكن ظالما له.
ولم يرد في القرآن الكريم أن الله عاقب البهائم على ظلم الناس؛ بل ورد: (( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ )) سورة النحل، الآية:61 . فذكر جل وعلا أنه لو عجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة؛ لأن العجلة تكون ممن يخاف فوت الفرصة، ورب السموات والأرض لا يفوته شيء.
ولو وقع ذلك–وهو لم يقع- فمن باب قطع النعم عنهم، ومنها نعمة المطر التي لا تبقي زرعًا فينتج عنه أن لا تبقى على ظهرها دابة. وقد قرأ ابن مسعود رضى الله عنه هذه الآية، فقال: (كادَ الْجُعْلُ لَيُعَذَّبُ في جُحْرِهِ بِذُنُوبِ بني آدَمِ)*. أي ليس عقوبة للبهائم، بل عقوبة الظالم. وهذه من نعم الله على بني الإنسان التي قد يعاقب برفعها إذا ظلم.
وهذا معنى قول أبي هريرة -رضي الله عنه- عندما سمع رجلا يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه. فقال أبو هريرة: (بلى والله حتى الحباري لتموت في وكرها هزلا لظلم الظالم) **. أي: بسبب معاقبة الظالم برفع النعمة. وكلمة "هزلاً" تشير إلى أن موت هذه الكائنات ليس عقوبة، بل بسبب القحط الذي أصاب أرض الظالمين. فخلق الدواب والبهائم نعمة فإذا كفر الناس يزيل الله النعم، والدواب أقرب مفهوم للنعم. ونحن نلاحظ أنَّ بقاء الأشياء بالإنسان كما أن بقاء الإنسان بالأشياء، فالإنسان يعمر الأشياء فتبقى؛ ثم ينتفع بها فيبقى هو.
فإذا كان الهلاك عاماً لم يبقَ مَن يُعمِر؛ فلا تبقى أبنية ولا زروع ولا حيوانات. فذهاب الحيوانات ليس من باب العقوبة لها، بل من العدل والحكمة في التدبير.
فالله خلق الإنسان مكلفًا بعبادته: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)). وخلق لهذا الإنسان المكلف كل المخلوقات الأخرى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)) نعمة من الله.
ومن حق المنعم أن يسلب نعمته متى شاء لأي سبب يقدره، ولا يكون ذلك ظلماً. وهذا معنى الأثر الإلهي: (ابن آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عمَّا خلقتك له) ***. وفي أثر آخر: (خلقتك لنفسي فلا تلعب وتكفلت لك برزقك فلا تتعب، يا ابن آدم اطلبني تجدني؛ فإنْ وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا خير لك من كل شيء) ****.
* الحاكم، المستدرك على الصحيحين 2/464 برقم 3602 ، وصحح إسناده، والطبراني، المعجم الكبير 9/213.
** البيهقي، شعب الإيمان 6/54، حديث رقم 7479.
*** ابن قيم الجوزية، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص304.
**** ابن قيم الجوزية، روضة المحبين، ص304.
- الموضوع الفقهي
- الرد على شبهات الملاحدة
- عدد القراء
- 168