- الباب الفقهي
- العبادات / الزكاة
- المفتي
- المجمع الفقهي
- عنوان الفتوى
- إعطاء الزكاة للمؤسسات الإعلامية
- السؤال
- ما حكم صرف الزكاة على المؤسسات الإعلامية أو وسائل الإعلام ضمن مصرف في سبيل الله ؟ وهل يجوز أخذ الزكاة من المؤسسات الإعلامية؟
- الجواب
-
بسم الله والخمد لله والصلاة والسلام على رسو الله وعلى آله وصحبه وسلم.
الإجابة عن هذا السؤال، تكون في مسائل:
الأولى: ما المقصود في سبيل الله في آية مصارف الزكاة؟ للعلماء فيه، أربعة أقوال: أحدها: أن المقصود من (سبيل الله) الغزاة في سبيل الله وهو قول جمهور المفسرين والفقهاء، ومن المعاصرين هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية .
الثاني: أن المقصود من (في سبيل الله) الغزاة، والحجاج، والعمار، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وقال به الحسن وأحمد واسحق.
الثالث: أن المقصود من (في سبيل الله) جميع وجوه البر من تكفين الموتى، وبناء الجسور، والمدارس، والمساجد، والدعوة والجمعيات الخيرية، وغير ذلك لأن قوله في سبيل الله عام في الكل، وقال به بعض المفسرين والفقهاء، كالخازن والآلوسي، والقاسمي(1). والى ذلك ذهب من الحنفية الكاساني، ومن الشافعية القفال، وحكاه النووي في شرح مسلم عن القاضي عياض وغيره، وقال به الصنعاني وصديق حسن خان، وحسن ايوب( 2).
قال الرازي: لا يوجب القصر على الغزاة -ثم قال- فلهذا المعنى نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد( 3). وقال الكاساني: وأما قوله تعالى: (وفي سبيل الله) عبارة عن جميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجاً( 4).
والرابع: إن المقصود من (في سبيل الله ) في أية الصدقات هو القتال والجهاد بمعناه الواسع الذي يحفظ مصالح المسلمين العامة التي فيها تحقيق النصر للدين والرفعة لشريعة الإسلام، يقول الشيخ محمد رشيد رضا: التحقيق إن سبيل الله هنا: مصالح المسلمين العامة( 5).
وذهب إليه من المعاصرين الشيخ محمد بن ابراهيم مفتي الديار السعودية الاسبق، والشيخ محمود شلتوت والشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق، و د. يوسف القرضاوي، والدكتور محمد عبد القادر أبو فارس، والشيخ أبو بكر الجزائري، ود. مناع القطان، ومال اليه الدكتور عمر سليمان الاشقر، موضحا أن دائرة الجهاد لا تقتصر على القتال فحسب، بل تشمل كل مجالات الصراع بين المسلمين والكفار(6). وهو ما قرره المجمع الفقهي الإسلامي بدورته الثامنة بمكة المكرمة، إذ جاء في قراره المرقم (4) في 8 جماد الاولى 1405هـ: نظرا إلى أن القصد من الجهاد بالسلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى، وأن إعلاء كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون-أيضاً- بالدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه بإعداد الدعاة ودعمهم ومساعدتهم على أداء مهمتهم، فيكون كلا الأمرين جهادا، لما روي الإمام أحمد والنسائي وصححه الحاكم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم و ألسنتكم»( 7).
ونظرا إلى أن الإسلام محارب بالغزو الفكري والعقدي من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين، وأن لهؤلاء من يدعمهم الدعم المادي والمعنوي، فإنه يتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام وبما هو أنكى منه. ونظرا إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها، ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة، بخلاف الجهاد بالدعوة، فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون. لذلك كله فإن المجلس يقرر-بالأكثرية المطلقة- دخول الدعوة إلى الله تعالى وما يعين عليها ويدعم أعمالها في معنى (وفِي سَبِيلِ اللّهِ) في الآية الكريمة.
انتهى كما صدرت بذلك فتوى الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة في القاهرة في 25- 27 / 10/ 1988، وجاء فيها : (إن مصرف في سبيل الله يراد به الجهاد بمعناه الواسع قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله ويشمل مع القتال الدعوة إلى الإسلام، والعمل على تحكيم شريعته، ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه، وصد التيارات المعادية له. وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده، ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي) :
تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية الإسلام وتصد العدوان على المسلمين في شتى ديارهم.
تمويل مراكز الدعوة إلى الإسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية بهدف نشر الإسلام بمختلف الطرق الصحيحة التي تلائم العصر، وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مقرا للدعوة الإسلامية.
تمويل الجهود التي تثبت الإسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين، والتي تتعرض لخطط تذويب البقية من المسلمين في تلك الديار (8).
المسألة الثالثة: إعطاء الزكاة للمؤسسات الإعلامية من المعلوم أنّ الإعلام الإسلامي الملتزم يعد من ابرز وسائل الدعوة إلى الله ونصرة الإسلام ورسالته، والمجاهدين وقضاياهم، وهو يقابل الحرب النفسية والدعائية للعدو بحرب إعلامية مضادة .
ومنه وبناء على القول الثالث والرابع في تحديد مصرف في سبيل الله، فإنه يجوز دفع الزكاة للمؤسسات الإعلامية الملتزمة بل وانشاؤها من مال الزكاة، ضمن مشمولات مصرف (في سبيل الله) وهو ما صرح به الدكتور محمد عثمان شبير بقوله: ويجوز صرف الزكاة في شراء الإذاعات التي تبث الإسلام وتعرف به، لأنها تدخل في سهم (في سبيل الله) ولأنها تحصن المسلمين من أفكار الملاحدة والمبشرين، ... ويجوز صرف الزكاة في شراء مطبعة لطباعة كتب الدعوة الإسلامية إذا دعت الحاجة الماسة إلى ذلك( 9)، ويدرجها الدكتور عمر سليمان الأشقر ضمن مشمولات الزكاة أيضا بقوله: إنشاء الإذاعات وطبع الكتب والنشرات الموجهة إلى أعداء الإسلام لتعريفهم بالإسلام ودعوتهم إليه وتعريفهم بالضلال الذي هم فيه،... وطبع الكتب الإسلامية، .. ونشر الصحف والمجلات(10)، وهو ما أفتت به الهيئة الشرعية لبيت الزكاة الكويتي( 11).
الزكاة تصرف للمؤسسات الدعوية والإعلامية الإسلامية التي تلتزم بالضوابط الشرعية ضمن مصرف في سبيل الله، وبالنسبة للمؤسسات الإعلامية التي يختلط فيها الحلال بالحرام، ويغلب فيها الحلال، فيقيد جواز صرف الزكاة إليها في البرامج أو العمل الإنتاجي الذي يلتزم الضوابط الشرعية حصرا، ومما يحتاج إليه المسلمون في نصرة دينهم وقضاياهم.
وأما المؤسسات الإعلامية غير الملتزمة سواء أكان مجال عملها كله حرام أو يغلب الحرام فيه، فيحرم صرف الزكاة اليها.
وحتى عند من يتحرج في إدراج الدعوة ونصرة الإسلام ضمن مصرف في سبيل الله، فهي تندرج ضمن صور الجهاد في سبيل الله، فمعناه أوسع من القتال، إذ ذهب بعض العلماء إلى أن الجهاد في سبيل الله يشمل الجهاد بالنفس والسلاح، ويشمل أيضاً : جهاد العلم، والرد على شبه المشركين، وبيان بطلان ما هم عليه من الدين، وبيان محاسن الإسلام، والدعوة إليه، لقول الله تعالى: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)(12)
قال ابن عباس رضي الله عنهما : (وجاهدهم به) أي : بالقرآن( 13)، وقال ابن القيم: «فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان، وتبليغ القرآن(14 )، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ»( 15)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وإذا كان كذلك فمعلوم أن الجهاد منه ما يكون بالقتال باليد، ومنه ما يكون بالحجة والبيان والدعوة(16)، كما يمكن لبعض وسائل الإعلام أن تعدّ برامج لدعم القضايا التي يجاهد من أجلها المسلمون في سبيل الله، والترويج لها، فتمول من مصرف في سبيل الله».
. يمكن لوسائل الإعلام الملتزمة أن تعد برنامجا عن جمع الزكاة وتوزيعها بإشراف لجنة من العلماء المعروفين أو بالتعاون مع المؤسسات الفقهية والهيئات الشرعية المعتمدة، وبذلك تستحق أن تصرف إليها الزكاة ضمن مصرف العاملين عليها.
إن دفع الزكاة ضمن مصرف في سبيل الله يكون إلى المؤسسات الإعلامية الملتزمة بشخصيتها الاعتبارية العامة، وليس للأفراد، سدا لذريعة تصرف الأفراد أو بعض القائمين عليها بها لمصالحهم الشخصية مع كفايتهم، يقول الشيخ محمد رشيد رضا: والتحقيق أن سبيل الله هنا مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد( 17)، وأما إذا كانت المؤسسة الإعلامية خلطت الحلال بالحرام والحرام أغلب، فيجوز إعطاؤها عند الضرورة أو الحاجة الماسة لشخص أو فريق عمل فيها يتبنى تقديم مادة إعلامية لنصرة الإسلام والدعوة إلى الخير، فأصل صرف الزكاة لدعم هذه المادة الإعلامية لا المؤسسة، ولهذا الشخص أو الفريق لتفرغه لهذا العمل.
الأصل إن الإنفاق على هذه المؤسسات من بيت مال المسلمين أو المال العام، فإذا توقف الإنفاق من بيت المال على هذه المؤسسات وهذه الأعمال كما هو حاصل في زماننا، جاز الإنفاق عليها من الزكاة (18 ) .
كما إن صرف الزكاة للمؤسسات الدعوية والإعلامية من واجب الحاكم الشرعي، فإن شغر الزمان منه أو تقاعس عنه، قام الناس بذلك، ولاسيما في عصرنا هذا، يقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: (وها هنا أمر هام يصح أن يصرف فيه من الزكاة، وهو إعداد قوة مالية للدعوة إلى الله، ولكشف الشبه عن الدين، وهذا يدخل في الجهاد، هذا من أعظم وجوه سبيل الله، فإذا أخل بذلك من جهة الولاة فواجب على المسلمين أن يعملوا هذا، ..فلو كان الناس يجمعون منه الشيء الكثير للدعوة إلى الله وقمع المفسدين بالكلام والنشر فإنه يتعين)( 19).
عند وجود من يستحق مصرف في سبيل الله من المجاهدين المرابطين بوجه الأعداء الحربيين، أو عند قيام الضرورة بإعداد العدة لذلك، فهم أولى بهذا المصرف من غيرهم لأنهم أصل هذا المصرف، يقول محمد رشيد رضا: (وفي سبيل الله وهو يشمل سائر المصالح الشرعية العامة التي هي ملاك أمر الدين والدولة وأولاها بالتقديم: الاستعداد للحرب بشراء السلاح وأغذية الجند وأدوات النقل وتجهيز الغزاة)( 20)، ويقول سيد قطب: (وفي سبيل الله) وذلك باب واسع يشمل كل مصلحة للجماعة تحقق إعلاء كلمة الله، وفي أولها إعداد العدة للجهاد وتجهيز المتطوعين وتدريبهم، وبعث البعوث للدعوة إلى الإسلام وبيان أحكامه وشرائعه للناس أجمعين(21 ).
. كما أن المؤسسات الإعلامية التي تختص بنقل أخبارهم أولى من غيرها من المؤسسات الإعلامية الملتزمة في صرف الزكاة إليها، فإن سدت حاجة نقلت إلى الثانية. المسألة الرابعة : أخذ الزكاة من المؤسسات الإعلامية
المؤسسة الإعلامية إذا كانت ضمن مؤسسات القطاع العام الذي تملكه وتديره الدولة مباشرة، فقد اتفق فقهاء المذاهب على عدم وجوب الزكاة في الأموال العامة المستثمرة في مشاريع ذات ريع( 22)؛ لأن الشرط لملك النصاب أن يكون مالك المال معينا له ملكية تامة عليه، فلا تجب الزكاة في المال المملوك لغير معين أو مبهم، أو ناقص الملكية، كما في المرافق العامة فلا زكاة في الملك العام أو المال العام الذي يتمثل في المالية العامة للدولة، وهذا الأمر ينطبق أيضا على نصيب المال العام في القطاع المختلط . .
وإذا كانت المؤسسة الإعلامية تجارية ربحية تعمل ضمن القطاع الخاص وهو النشاط الاقتصادي الذي يقوم به الأفراد سواء أكانوا منفردين أو متعددين على سبيل الاشتراك، فتجب فيها الزكاة إلزاما إما على الشركة ككل وأما على المالكين لأسهمها.
. وأما إن كانت المؤسسة الإعلامية غير ربحية تعتمد على الهبات والمنح ولا يحق لها أن تمارس نشاطا تجاريا (ما يطلق عليها منظمات المجتمع المدني) فلا تجب عليها زكاة لأنها تملك أصولا ثابتة من مكاتب وأثاث، وهذه ليست عليها زكاة، وما يأتيها من أموال فهي محددة لتنفيذ برامج معينة، كما أن أموالها ليست لمالك معين، وعند إنهاء عملها تؤول أموالها إلى الدولة.
وإذا كان إنشاء المؤسسة الإعلامية من خلال توظيف أموال الزكاة من مصرف في سبيل الله، فلا تؤخذ منها الزكاة وإنما تصرف الأرباح على المستحقين لها من هذا المصرف. والله أعلم.
(1)مجلة البحوث الإسلامية المجلد الاول للعدد الثاني ص 56
(2)ينظر: سبل السلام للصنعاني:ح2،ص198، والروضة الندية لصديق حسن خان: ج1/ص206، الزكاة في الإسلام، لحسن ايوب ص 112.
(3)تفسير الرازي: ج16/ ص113.
(4)بدائع الصنائع للكاساني: ج2/ ص45
(5)تفسير المنار لمحمد رشيد رضا: ج10/ ص585-587
(6)ينظر: مجموع فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ،ج4 / ص142، والإسلام عقيدة وشريعة لشلتوت، ص97- 98، وفتاوى شرعية لمخلوف ج2/ ص34، وفقه الزكاة للقرضاوي، ج2/ ص652و657، وانفاق الزكاة في المصالح العامة، لابي فارس ص 101، ومنهاج المسلم للجزائري ص 297.، وتفسير آيات الأحكام، للقطان، ص 374، وابحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة للاشقر وآخرين، ج2/ 849، ينظر: تفسير الفخر الرازي: ج16/ ص113و لباب التأويل للخازن: ج3/ ص92، ومحاسن التأويل للقاسمي: ج8/ ص3181، و روح المعاني للآلوسي: ج10، ص123 .
(7) أخرجه أبو داود بسند صحيح: 2504
(8) فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة، من منشورات بيت الزكاة في سنة 1993، ص (25).
(9)أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة، ج1/ 443.
(10)ابحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة، ج2/ 856.
(11)فتاوى الزكاة، بيت الزكاة الكويتي، ص 162
(12)الفرقان: 52.
(13)تفسير الطبري، ج19/ ص 280.
(14)زاد المعاد، لابن القيم، ج3/ ص5.
(15)أخرجه أبو داود وسبق تخريجه.
(16)منهاج السنة النبوية، لابن تيمية، ج8 / ص86.
(17)تفسير المنار: ج10،ص585-587
(18)أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة ج2/ 853
(19)مجموع فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ج4/ 142
(20)تفسير المنار لرضا: ج10/ ص587
(21)في ظلال القرآن لسيد قطب، ج3/ ص1670 .
(22)المبسوط للسرخسي، ج2/ ص52، وحاشية الدسوقي، ج1/ ص487، ومغني المحتاج للشربيني، ج1/ ص412، ومطالب أولي النهى للرحيباني، ج2/ ص16
- الموضوع الفقهي
- أحكام الزكاة
- عدد القراء
- 208