- الباب الفقهي
- العبادات / الزكاة
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- التسويق الشبكي
- السؤال
- ما حُكم التسويق الشبكي، والعمل في شركاته؟
- الجواب
-
التسويق الشبكي: نظام يستفيد فيه المشترك في الشبكة من مزايا شرط أن يكسب عددًا من المشتركين، وبطريقة متوالية هندسية، أو في شكل شجرة ثنائية، فيحصل فيه المسوِّق على عمولات عن كل فرد يتم اعتماده كمساعد أو تابع للمسوَّق على وفق أنظمة وبرامج خاصة. والترويج للمنتجات يكون عن طريق المشترين؛ بإعطائهم عمولات مالية مقابل كل مشترٍ عن طريقهم، على وفق شروط معينة.
والتسويق بهذا الأسلوب يصبح هدفًا للمنتجين والعملاء بدل أن يكون وسيلة لبيع المنتجات، فيصبح مخدومًا بعد أن كان خادمًا. فالأصل بالتسويق أنه يقوم بعملية إيصال السلع والخدمات من المنتِج إلى المستهلِك والمستخدِم، فهو وسيلة تصريف المنتج أو خدمة المستهلك بتوفير ما يناسبه من سلع وخدمات. بينما عمل هذه الشركات يبين أن تركيزها وتركيز من يسوِق لها منتجاتها على العمولة وليس على السلعة أو الخدمة. ففي الوقت الذي نجد فيه قيمة المنتج قد لا تتجاوز المائة دولار؛ نجد العمولة قد تتجاوز آلاف الدولارات، وهذه العمولات هي التي تدفع إلى شراء السلعة، وفي هذا شبهة القمار كما سيتضح.
والمتتبع لصفحات الفتاوى يجد أن بعض الجهات الشرعية قد أفتت بجوازه؛ كالأزهر الذي ألحقت لجنة الفتوى فيه هذه المعاملة بالسمسرة إذا لم يقم على غش أو تدليس أو ظلم أو خيانة. ثم تراجعت لجنة الفتوى في الأزهر عن هذه الفتوى، وقالت بعدم جواز هذه المعاملة في 7/12/2012. كما أجازه الشيخ عبدالله الجبرين من السعودية مع اشتراط أن تكون معلومة ليس فيها غرر أو ربا أو رشوة أو قمار أو مخادعة. وللأسف عند المحاججة يذكر بعض المؤيدين للمعاملة للشيخ فتواه بالجواز ولا يذكرون ما اشترطه فيها من شروط.
وفي المقابل يرى جمهور المعاصرين * : حرمة هذه المعاملة لما تشتمل عليه من ربا وقمار، وغرر فاحش، وأكل لأموال الناس بالغش والتدليس. فالتسويق الشبكي بكافة صوره وأسمائه المختلفة؛والسلع والخدمات التي يتعامل بها فيه صور الربا والغرر والجهالة، ويقود إلى الميسر، لذلك يجب تجنبه.
وقبل تفصيل الحكم الشرعي لهذه المعاملة لا بد من ذكر الشبهات التي قد يتحجج بها القائلون بجواز التسوق الشبكي، ولا بد من الرد عليها:
1. الشبهة الأولى: يمكن أن يقال: إن العلاقة بين المُسوِّق والشركة علاقة وكالة، فالمشترك وكيل للشركة (سمسار)، ويستحق الوكيل أجراً على عمله. ويرد على هذه الشبهة بثلاثة فروق بين الوكيل أو السمسار وبين المسوِّق الشبكي:
الأول: الوكالة (السمسرة) عقد جائز لكل من الطرفين فسخه برضا الطرف الآخر وبغير رضاه. أما في التسويق الشبكي فالعقد مع المتسوق عقد لازم من طرف الشركة؛ جائز من قبل المشترك. فلا يحق للشركة فسخ تعاقدها من قبلها ما دام المشترك ملتزمًا بمهمته.
الثاني: المسوِّق في التسوق الشبكي يُلزم بشراء البضاعة التي يسوِّق لها وبثمن يزيد عن ثمن المثل في أغلب الأحيان. أما الوكيل فغالبا ما يأخذ أجره على عمله دون أن يُلزَم بشراء السلعة.
الثالث: المسوِّق يأخذ عمولته من جهده وجهد غيره من العملاء ممن هم تحته في الشبكة. بينما يأخذ السمسار أجره على عمله فقط . فمن يستحق العمولة هو من قام بالدعاية للشركة وأتى بالزبون. أما الذين فوقه في الهرم فلا حق لهم بهذا؛ لأنهم لم يمارسوا الدعاية. وقولهم أنهم يدربون مَن تحتهم لا يعطيهم الحق بعمولة بل بأجر معلوم من السمسار إن أقر لهم به. وفرض نظام متوازن للعمولة يمين ويسار أو أي اسم آخر غير شرعي؛ لأنه قمار وليس سمسرة، فالعقد ليس وكالة لهذه الفروق.
2. الشبهة الثانية: وقد يقال إن المشترك يعمل أجيراً لدى الشركة، والإجارة جائزة بالإجماع. ويرد على هذه الشبهة: بأن إجارة الأجير تخالف ما يأخذه المتسوِّق بأمرين:
أولهما: الأجرة في التسويق الشبكي مجهولة، وشرط الإجارة أن تكون الأجرة معلومة.
وثانيهما: يشترط في الإجارة أن يكون الأجل معلومًا، وفي التسويق الشبكي يجهل كل من الطرفين الأجل جهالة فاحشة، فلا يعلم المشترك كم سيستغرق وقت إقناع مشترك جديد يقوم بشراء هذا المنتج ليأخذ الاجرة أو العمولة. ولهذين الفرقين لا يمكن أن يكون العقدُ عقدَ إجارة.
3. الشبهة الثالثة: وقد يقال: إنَّ الارباح التي يأخذها المشترك تدخل في باب الجعالة. وعند بعضهم تصح الجعالةبما فيها من جهالة. والجَعالة: ما يعطاه الانسان على أمر يفعله بأن يقال: من فعل كذا فله كذا. فيجعل شيئا معلوما من المال لمن يعمل له عملًا معلوما، وهو يخالف ما يأخذه المُسوَّق بأمرين:
أ- الجَعل في الجعالة محدد. أما في التسوق الشبكي فغير محدد.
ب- الجَعل في الجَعالة مقطوع به عند تحقق شرط الجاعل. أما في التسوق الشبكي فقد يتمكن من إقناع المشتركين وقد لا يتمكن. وإذا لم يحصل المجعول له في شرط الجعالة على الجعل لايعد مقامراً، لأنه لم يخسر ماله. أما في التسوق الهرمي فإذا لم يحصل المسوق على العمولة فإنه يكون قد خسر ماله دون مقابل. وهذه الصورة هي جوهر القمار، وهي أحد أسباب التحريم في هذه المعاملة. أما أدلة التحريم لهذا التعامل فهي:
- إحتوائه على الربا. وحقيقة هذه المعاملة: أن يدفع المستهلك مبلغا من المال قيمة للمنتَج لينال عوضا عنه مبلغًا أخر أكبر منه وهو العمولة. وهذه صورة من صور الربا المحرم، فالربا كل زيادة مشروطة مقدمَة عن المال الربوي مقابل الأجل وحده. هذه زيادة مشروطة وبيع نقود بنقودٍ، فالمشترك يدفع مبلغاً قليلاً من المال ليحصل على مبلغ كبير، فالعملية بيع نقودٍ بنقود مع التفاضل والتأخير. وهذا هو الربا المحرم بالنصوص القطعية من الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.
- وأما القمار؛ فلأن العميل في العمل التجاري يستحق العمولة على قدر ما يأتي به من زبائن ومشتريات. وفي التسويق الشبكي اشتراط تساوي اليمين واليسار لاستحقاق العمولة. وهذه مقامرة وشرط غير شرعي، ولا يغير ذلك أن العميل يبذل جهدًا في التسويق لمنتجات الشركة، إذ أنَّ هناك الكثير من صور القمار المعروفة التي يبذل فيها المقامر مجهودا ومالًا للحصول على مال أكبر منه، والقمار من المحرمات القطعية.
- وأما الغرر: وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغرر **. وهو تردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، أي أن الغالب سيكون ما نخاف منه، وفي هذه المعاملة لا يدري المشترك أسينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين، فيربح العمولة، أم لا؟والغالب أنه سيخسر؛ لأن معظم أعضاء الهرم سيخسرون.
- وأما الغش: فما تقوم به هذه الشركات من أكلٍ لأموال الناس بالباطل في ظل الوعود والعمولات التي يتطلع إليها العميل، والتي لا حقيقة فيها على أرض الواقع، فهي في ظاهرها تغري المشتركين، وفي الباطن مجهول تندرج تحته كل بيوع الخطر. نسأل الله الحفظ من الزلل والصواب في القول والعمل.
* ممن حرمها: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، والمجمع الفقهي في السودان، والشيخ الدكتور عبدالملك السعدي، والشيخ الدكتور علي القره داغي، والدكتور رفيق المصري، والدكتور سامي سويلم، والدكتور أسامة الأشقر، والدكتور حسين شحادة.
** رواه مسلم: 3800
- الموضوع الفقهي
- أحكام الزكاة
- عدد القراء
- 184