- الباب الفقهي
- العبادات / الدعاء والاذكار
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- تمني الموت
- السؤال
- هل يجوز للمرأة إذا جزعت أن تدعو على نفسها بالموت؟
- الجواب
-
ورد في القرآن الكريم ما يدل على إباحة تمني الموت؛ فقد جاء على لسان يوسف(عليه السلام): «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ»*، وهذا الدعاء لم يصدر من يوسف(عليه السلام) من باب الجزع؛ بل لما عدد نعم الله عليه اشتاق إلى لقاء ربه ولقاء الصالحين مِن سلفِه دعا بالموت. وربما كان ذلك منه ليس دعاءً بالموت، بل دعاءٌ في أن يتمَّ الله عليه النعمة بالوفاة على الإسلام إذا حان أجلُه؛ ومثل هذا الدعاء مشروع.
وقالت مريم حينما َأَجَاءهَا الْمَخَاضُ: «يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً»** مع أنها كانت تعلم أن الله تعالى بعث جبريل إليها، وخلق ولدها من نفخة جبريل . ولا يُردُّ هذا بأنَّه من شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا غير متفق عليه أنه من شرعنا؛ فقد ورد في شرعنا ما يؤيده من روايات وآثار عن بعض السلف منها:
ما ورد عن النبي ﷺ قال «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فيقول: يا لَيْتَنِي مَكَانَهُ»***. في هذا الحديث تمني الحي أن يكون مكان الميت بسبب الخوف من الفتنة وعظيم البلاء في آخر الزمن.
وورد عن عمر(رضي الله عنه) أنه في آخر حجة له مَدَّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ فقال: «اللهمَّ كَبِرَتْ سِنِّي وَضَعُفَتْ قُوَّتِي وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غيرَ مُضَيِّعٍ وَلاَ مُفَرِّطٍ»****، فما انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حتى قُتِلَ عُمَرُ.
ويبقى الأحسن من الدعاء على النفس بالموت أن نهتدي بهدي رسول اللَّهِ ﷺ حين قال: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أحدُكم الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كان لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللهم أَحْيِنِي ما كانت الْحَيَاةُ خَيْرًا لي وَتَوَفَّنِي إذا كانت الْوَفَاةُ خَيْرًا لي»*****. ففي هذه الصورة من الدعاء تفويضٌ وتسليمٌ للقضاءِ؛ وليسَ فيها الاعتراض والمراغمة للقدر المحتوم. ولمَّا جزع خَبَّابٍ بن الأرَت لمرض اكْتَوَى بسببه سَبْعًا في بَطْنِهِ قال: «لَوْلَا أَنَّ النبي ﷺ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ»******، فقد فهم خباب من نهي النبي ﷺ عن تمني الموت أنه نهي عن الدعاء به على النفس؛ والخير أن نقتدي ولا نعتدي.
*سورة يوسف، الآية 101.
**سورة مريم، الآية 23.
***رواه البخاري، بَاب لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يُغْبَطَ أَهْلُ الْقُبُورِ، برقم 6698. ومسلم، بَاب لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مَكَانَ الْمَيِّتِ، برقم 157.
****موطأ مالك 2/824.
*****رواه البخاري بَاب الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، برقم 5990، ومسلم، بَاب كراهة تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، برقم 2680
******رواه البخاري، بَاب الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، برقم 5989، ومسلم، بَاب كراهة تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، برقم 2681. ونحوه عن أنس في مسلم.
- الموضوع الفقهي
- حكم تمني الموت
- عدد القراء
- 271