- الباب الفقهي
- العبادات / الزكاة
- المفتي
- الشيخ الدكتور طه أحمد الزيدي
- عنوان الفتوى
- الزكاة لمن يريد شراء بيت أو الزواج أو العلاج أو الحج
- السؤال
- أنا تاجر ويكون لدي مال زكاة كثير، مني وممن يثق بي، فهل يجوز أن أعطي الزكاة لشخص يريد بناء بيت أو لشخص يريد الزواج أو العلاج أو الحج؟.
- الجواب
-
جزاكم الله خيرا على حرصكم في إخراج الزكاة وحثّ الآخرين عليها، وعلى تحريكم من يستحقها في ظل الحاجات المستجدة في المجتمع، والجواب على سؤالكم المتفرع فيه تفصيل:
أولا: ذهب جمهور الفقهاء الى جواز إعطاء الزكاة لصنف واحد، وجواز إعطائها الى شخص واحد إذا لم تزد على كفايته، لقوله تعالى: "إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" (البقرة: 271)، وفي الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام: (تؤخذ من أغنياهم وترد في فقرائهم)(1)، وقوله ﷺ لأحد اصحابه: أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر بها لك"(2) ، فهذه النصوص تدل على جواز اعطائها لصنف أو شخص.
ثانيا: الاصل فيمن يستحق الزكاة أن تعطى كفاية المحتاج لها، من مأكل وملبس ومسكن وسائر ما لا بد منه، لأن المقصد من الزكاة تحقيق مستوى لائق للمعيشة والحياة الكريمة، ولذا نجد في الفقه العميق لفقهائنا، كالمالكية والحنابلة وبعض الشافعية الى أنه يعطى كفاية سنة؛ لأن النبي ﷺ ادخر لأهله قوت سنة(3) ، ولأن الزكاة عبادة سنوية فلا تتكرر، فيعطى ما يكفيه منها طوال العام، بل نجد فقهاء الشافعية يؤسسون للاستثمار الشخصي للزكاة بالنسبة للمحتاج إذا كان محترفا فإنه يعطى ما يشتري به آلات حرفته بحيث يحصل من ربحه ما يسد حاجته وكفايته، وإن كان غير محترف أي عاجز، فيعطى كفاية العمر الغالب لمثله، وأرى أن يتعاهد كل عام ليعطى كفايته من الزكاة سنويا.
ثالثا: بالنسبة لإعطاء الزكاة لمحتاج من أجل شراء بيت، فأرى أن سعر البيت مكلف في زماننا وقد يذهب بالزكاة لشخص أو بضع اشخاص، وهنالك من هو أحوج إليها فيحرم منها، ولذلك يمكن الأخذ بالتفصيل الآتي: - إن كان مديونا لأجل شرائه مسكنا، فيعطى من باب صنف الغارمين. - إن كان سعر السكن مناسبا، كما في أطراف المدن والمناطق الزراعية، فيعطى لإيواء عائلة فقيرة متعففة محتاجة. - أو يعطى ايجار سنة ولاسيما إن كانت عائلة لا معيل لها أو لعجزه. والله أعلم.
رابعا: بالنسبة لإعطاء الزكاة لمن يريد الزواج ولا يجد نفقته، فمعلوم أن الزواج أصبح من الحاجات الاساسية للإنسان، والإسلام حث على الزواج لقوله ﷺ : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ "(4)، فإذا أراد شاب أن يعف نفسه ولا يملك ما يعينه على الزواج، فيمكن اعانته من مال الزكاة، ولاسيما أن جمهور الفقهاء قالوا بإغناء المحتاج وكفايته لمدة عام، ونفقات الزواج لا تستغرق قوت عام، ولأن الزواج من تمام كفايته، وقد وجه القرآن الاغنياء الى مراعاة من يريد استعفافا بالنكاح ولا يجد كفايته فقال تعالى: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (سورة النور: 33)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة حق على الله عونهم: وذكر منهم: والناكح الذي يريد العفاف"(5) ، ومال الله يتأكد في الزكاة فتتم اعانتهم منها،
ولذلك نجد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله حينما فاض لديه مال الصدقات، خرج مناديه ينادي في الطرقات: أين الغارمون، أين الناكحون، أين المساكين، أين اليتامى، حتى أغنى كلا من هؤلاء. مع التأكيد أن يكون الراغب بالنكاح من المحتاجين، وأن لا يكون في نفقة الزواج إسراف أو صرفها في أمور مخالفة للشرع أو أمور تحسينية كإيجار القاعات والفرق الغنائية.
خامسا: فيما يتعلق بإعطاء الزكاة لغرض العلاج، فهذا جائز شرعا لأن العلاج يدخل في مفهوم الكفاية وهو من ضمن الحاجات الاساسية بل بعضه يدخل في باب الضروريات التي يتم من خلالها حفظ النفس أو بعض الاعضاء من التلف أو العطب، ولأن العلاج له صور ومراتب، فينبغي مراعاة الآتي عند صرف الزكاة للعلاج: - أن يكون محتاجا أو يدفعه العلاج لن يكون محتاجا. - أن لا يتوفر علاجه بصورة مجانية. - لمعالجة أمراض وحالات لا تستقيم الحياة بها، وليس من باب التجميل طلبا للحسن. - أن يتجنب العلاج بما هو مكلف مع وجود العلاج بما هو أدنى، ويؤدي الغرض نفسه. -يدخل في العلاج نفقات السفر إن كان خارج البلد، وكذلك نفقات المرافق إن لم يكن متبرعا.
سادسا: اما صرف الزكاة لأداء فريضة الحج، فقد اختلف الفقهاء في إدخال من يريد أداء فريضة الحج ولا يملك مالا ضمن أصناف الزكاة، وسبب اختلافهم هو تفسير قوله تعالى ضمن اصناف مصارف الزكاة (وفي سبيل الله)، فذهب الإمام أحمد الى دخول الحج في سبيل الله لقوله عليه الصلاة والسلام: فإن الحج في سبيل الله ، بينما ذهب جمهور الفقهاء الى أنه لا يعطى من الزكاة نفقات الحج؛ لأن سبيل الله عند الاطلاق يراد به الجهاد، كما أن أداء الحج مبني على الاستطاعة، لقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) (آل عمران: 97)، ومنها الاستطاعة المالية، ويسقط وجوبه بعدم القدرة المالية، فالفقير لا يجب عليه الحج، وهذا القول له وجاهته ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. وأرى والله أعلم: هذه المسائل تخضع لفقه الاولويات فيبدأ بالأهم ثم المهم، كما يراعى فيها حال المستفتي، والظرف العام الذي يعيشه المجتمع، فقد يغلب فيه الحاجة الى المأكل عند القحط أو المسكن عند التهجير والنزوح، أو العلاج لوجود وباء وكثرة الاصابات وتفشي الامراض المهلكة، وقد يحتاج المجتمع الى اعفاف الشباب لكثرة الفتن وظهور الفواحش، فمراعاة الحال الخاص والعام والموازنة بينهما مطلوب عند الإفتاء.
(1)أخرجه مسلم.
(2)أخرجه البخاري ومسلم
(3) أخرجه البخاري ومسلم.
(4) أخرجه الترمذي
(5)أخرجه احمد وأبو داود، وفيه اضطراب.
- الموضوع الفقهي
- أحكام الزكاة
- عدد القراء
- 190