شيخي ممكن تفصيل القول في زكاة المرأة لحليها المباح الذي تلبسه...هل تجب فيه الزكاة اذا بلغ النصاب؟ نفع الله بكم
- الباب الفقهي
- العبادات / الزكاة
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- زكاة الحلي المستعمل المباح
- السؤال
- شيخي ممكن تفصيل القول في زكاة المرأة لحليها المباح الذي تلبسه...هل تجب فيه الزكاة اذا بلغ النصاب؟ نفع الله بكم
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد ذهب جمهور الفقهاء على وجوب الزكاة في الذهب والفضة إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول، سواء كانت نقوداً أو سبائك أو حليا مدخرا، أو كانت معدة للتجارة، ولا خلاف بينهم -أيضًا- في وجوب الزكاة في أنَّ ما حُرِّم استعمالُه واتِّخاذه مِن الذهب والفضَّة كأواني الذهب والفضَّة، والمَجامرِ والملاعق، وما يقتنيه الرجالُ مِن حُليٍّ حرَّمه الشرعُ عليهم .
قال الإمام ابن رشد المالكي- رحمه الله-: (وأما ما اختلفوا فيه من الذهب ففي الحلي فقط، وذلك أنه ذهب فقهاء الحجاز مالك، والليث، والشافعي إلى أنه لا زكاة فيه إذا أريد للزينة واللباس، وقال أبو حنيفة وأصحابه فيه الزكاة، والسبب في اختلافهم تردد شبهة بين العروض وبين التبر والفضة اللتين المقصود منهما المعاملة في جميع الأشياء، فمن شبه بالعروض التي المقصود منها المنافع أولا قال ليس فيه زكاة، ومن شبهه بالتبر والفضة التي المقصود منها المعاملة بها أولا قال فيه الزكاة) ( بداية المجتهد 1/251).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (أما الحلي المحرم فتجب الزكاة فيه بالإجماع، وهو نوعان: محرم لعينه كالأواني والملاعق والمجامر من الذهب والفضة، ومحرم بالقصد، بأن يقصد الرجل بحلي النساء الذي يملكه - كالسوار والخلخال - أن يلبسه غلمانه، أو قصدت المرأة بحلي الرجل - كالسيف والمنطقة - أن تلبسه هي أو تلبسه جواريها أو غيرهن من النساء، أو أعد الرجل حلي الرجال لنسائه) (روضة الطالبين 2/260).
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ( ومن ملك مصوغاً من الذهب أو الفضة محرماً، كالأواني وما يتخذه الرجل لنفسه من الطوق ونحوه، وخاتم الذهب، وحلية المصحف، والدواة، والمحبرة والمقلمة، والسرج: ففيه الزكاة ؛ لأن هذا فعل محرم فلم يخرج به عن أصله) ( المغني 2/608).
ولكن اختلفوا في وجوب زكاة الذهب والفضة إذا كانت حُلياً تتزين به النساء وبلغ نصابا.
ومنشأ الخلاف بينهم كما قالوا: أنه لم يرد نص صحيح صريح يوجب الزكاة فيه، أو ينفيها عنه وإنما وردت أحاديث اختلف أهل العلم في ثبوتها وفي دلالتها، وكذلك قال بعضهم: إن الحلي صنعت من نفس المعدن الذي خلقه الله ليكون نقداً يجرى به التعامل بين الناس، والذي وجبت فيه الزكاة بالإجماع، ومن ثم أوجبوا في الحلي الزكاة كسبائك الذهب والفضة ونقديهما.
بينما قال آخرون: إن هذه الحلي بالصناعة والصياغة خرجت من مشابهة النقود، وأصبحت من الأشياء التي تقتنى لإشباع الحاجات الشخصية كالأثاث والمتاع والثياب، وهذه لا تجب فيها الزكاة بالإجماع.
وعليه فقد اختلفوا في زكاة الحلي المباح المستعمل اذا بلغ النصاب على أقوال أشهرها:
القول الأول: لا زكاة في الحلي المباح المستعمل.
القول الثاني: وجوب الزكاة في الحلي المباح المستعمل إذا بلغ نصاباً كل عام.
القول الثالث: وجوب الزكاة في الحلي المباح المستعمل إذا بلغ نصاباً سنة واحد فقط، ثم تسقط عنه الزكاة.
القول الرابع: الحلي المباح المستعمل إذا بلغ نصاباً فزكاته عاريته، أي: تعيره إلى غيرها من النساء للبس.
القول الخامس: فيه الزكاة احتياطا لا وجوبا، والفرق بين هذا القول وبين أصحاب القول الثاني: أن من قال بالوجوب يؤثم من لم يؤدها، وأما من قال احتياطاً فإنه لا يؤثم من لم يؤدها.
والمفتى به: هو ما ذهب إليه جماهير الفقهاء أصحاب القول الأول: إنه لا زكاة في الحلي المستعمل استعمالا مباحا، لقوة ما استدلوا به وردودهم وتوجيههم لأدلة الموجبين، ويؤيد قولهم ما اتفق عليه البخاري ومسلم في الصحيحين من قوله عليه الصلاة والسلام :(( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ)) .
قال الإمام ابن العربي المالكي-رحمه الله- في عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: (هذا الحديث يوجب بظاهره أن لا زكاة في الحلي، بقوله للنساء: «تصدقن ولو من حليكم» ولو كانت الصدقة فيه واجبة لما ضرب المثل به صدقة التطوع ).
فلا يمكن أن يقال: تصدقوا ولو من الغنم السائمة أو تصدقوا ولو مما أخرجت الأرض من الحبوب، ما دامت الصدقة من هذه الأشياء لازمة ومفروضة، إنما يقال ذلك مما لا تجب فيه الزكاة المفروضة.
وكذلك ما قرره الفقهاء الموجبون للزكاة في الحلي أن النماء والزيادة سبب وجوب الزكاة، ولا ينطبق هذا السبب على حلي النساء المباح، فهو ليس معدا للنماء والزيادة، ولا فاضلاً.
قال الإمام ابن نجيم المصري الحنفي رحمه الله تعالى: (إن سببها- الزكاة - مِلكُ مال مُعدٍّ مُرصَد للنماء والزيادة فاضل عن الحاجة) ( البحر الرائق 2/218).
وقال الإمام أبو عبيد -رحمه الله تعالى-: (قال أهل العراق: لا صدقة في الإبل والبقر العوامل، لأنها شبهت بالمماليك والأمتعة ثم أوجبوا الصدقة في الحلي، وأوجب أهل الحجاز الصدقة في الإبل والبقر العوامل وأسقطوها من الحلي، وكلا الفريقين قد كان يلزمه في مذهبه أن يجعلهما واحداً، إما إسقاط الصدقة عنهما جميعاً وإما إيجابها فيهما جميعاً، وكذلك هما عندنا سبيلها واحد لا تجب الصدقة عليهما لما قصصنا من أمرهما) ( كتاب الأموال ص 543).
ويمكن أن يُفتى أيضا بالقول الثالث: من وجوب الزكاة في الحلي المباح المستعمل إذا بلغ نصاباً سنة واحد فقط، خروجا للخلاف وجمعا بين الأدلة.
والله تعالى أعلم.
- الموضوع الفقهي
- أحكام الزكاة
- عدد القراء
- 176