- الباب الفقهي
- العبادات / الزكاة
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- زكاة الدَين
- السؤال
- أقرضت شخصا مبلغا من المال يبلغ النصاب، منذ ثلاثة أعوام، وكلما طالبته به يقول انظرني ما عندي الآن، اسدده لك عند التيسير، فهل تجب علي فيه الزكاة؟ ومتى اخرج زكاته ؟ جزاكم الله خيرا
- الجواب
-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في وجوب اخراج زكاة الدَّين إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول لعدم ورود نص من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله يفصّل زكاة الديون، وذلك على قولين:
* القول الاول :لا تجب فيه الزكاة مطلقا، لكونه ليس تحت يد صاحبه، وأنه غير نامٍ، فلم تجب زكاته، كعروض القُنية - وهي العروض التي تقتنى لأجل الانتفاع الشخصي، وهو رواية عن الامام أحمد، وهو قول للأمام الشافعي في القديم، وبه قال بعض الشافعية كما حكى النووي في المجموع، وهو مذهب ابن حزم الظاهري، وقال البيهقي في سننه: (وقد حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وعائشة ثم عكرمة وعطاء).
* القول الثاني :تجب فيه الزكاة، وهو مذهب جمهور الفقهاء ،وهو الراجح، وقد احتجوا بعموم الأدلة في وجوب الزكاة في الأموال، والدَّين مال من الأموال فتجب فيه الزكاة. واحتجوا أيضاً بالآثار الواردة عن بعض الصحابة في وجوب الزكاة في الدين. وقد قسّم الجمهور اصحاب هذا القول الدَّيْن الذي بلغ نصابا وحال عليه الحول واستحق اخراج زكاته على قسمين:
القسم الاول: دَين على موسر مقر به غير مماطل ومرجو الأداء، وقد اُختلف فيه على ثلاثة اقوال:
الأول: تجب زكاته على صاحبه كلَّ عام؛ لأنه مال مملوك له، إلا أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة منه ما لم يقبضه، فإذا قبضه زكاه لكل ما مضى من السنين، وهو مذهب الحنفية، والحنابلة؛ وقالوا: أنه ديْن ثابت في الذمة، فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه؛ ولأنه لا ينتفع به في الحال، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به، على أن الوديعة التي يقدر صاحبها أن يأخذها في أي وقت ليست من هذا النوع، بل يجب إخراج زكاتها عند الحول. وهو الراجح. قال العلامة ابو الحسين القدوري الحنفي - رحمه الله تعالى-: (قال أصحابنا: إذا كان له دين على مقر به فالزكاة واجبة فيه ولا يلزمه إخراجها حتى يقبضه)*
الثاني: أنه يجب إخراج زكاة الديْن المرجو الأداء في نهاية كل حول، كالمال الذي هو بيده، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه. وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين، ومذهب الشافعي في الأظهر، وحماد بن أبي سليمان، وإسحاق، وأبي عبيد. وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي فيتحفة: (إن كان -الدين- حالا ابتداء أو انتهاء وتعذر أخذه لإعسار وغيره كمطل أو غيبة أو جحود ولا بينة فكمغصوب فلا يجب الإخراج إلا إن قبضه... وإن تيسر بأن كان على مقر مليء باذل أو جاحد وبه بينة أو يعلمه القاضي وجبت تزكيته في الحال وإن لم يقبضه، لأنه قادر على قبضه فهو كما بيده... أو مؤجلاً ثابتاً على مليء حاضر فالمذهب أنه كمغصوب فلا يجب الدفع إلا بعد قبضه)*.
الثالث: مذهب المالكية: إذا كان الدين لتاجر مدير- أي الذي يبيع ويشتري للتجارة- وكان الدين مرجو السداد؛ فإن الزكاة تجب في قيمته كل عام، فيقوم ديونه كل عام وتزكى القيمة، - وهذا موافق للقول الثاني - أما إن كان غير مرجو السداد أو كان الدين لتاجر محتكرأو كان قرضا، فلا زكاة فيه حتى يقبضه الدائن، فإذا قبضه زكاه لعام واحد. وبعض الديون لا زكاة فيه، وهو ما لم يقبض، من نحو هبة، أو مهر، أو عوض جناية.
القسم الثاني: دَين على معسر مقر به، أو مماطل، أو جاحد غير مرجو الأداء؛ وقد اختلفوا فيه على اقوال:
الاول: أنه لا زكاة فيه؛ لعدم تمام المِلك؛ ولأنه غير مقدور على الانتفاع به. وهو قول قتادة وإسحاق وأبي ثور، ومذهب الحنفية، ورواية عن الامام أحمد، وقول للأمام الشافعي.
والثاني: أنه يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين، وهو قول الثوري، وأبي عبيد ورواية عن الامام أحمد، وقول للإمام الشافعي وهو الأظهر. قال العلامة البهوتي الحنبلي -رحمه الله تعالى-: (وتجب الزكاة أيضاً في دين على غير مليء وهو المعسر ودين على مماطل وفي دين مؤجل وفي مجحود ببينة أو لا لصحة الحوالة به والإبراء منه، فيزكي ذلك إذا قبضه، لما مضى من السنين رواه أبو عبيدة عن علي وابن عباس للعموم كسائر ماله)*.
الثالث: يزكيه إذا قبضه لعامٍ واحد وإن أقام عند المدين أعواماً، وهو مذهب الامام مالك، قول عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري والليث، والأوزاعي. قال القاضي عبدالوهاب البغدادي المالكي -رحمه الله تعالى-: (أن الدين الذي في ذمة المدين نض في يد الدائن في طرفي الحول، فتلزمه زكاة عام من غير نظر لوسط الحول، كما لو كان في يده نقد في أول الحول، فاشترى به سلعة، ثم باعها في آخر الحول بنقد، فإنه يزكي النقد الذي بيده؛ لحصوله في طرفي الحول)*
المفتى به: هو القول الثالث، يزكيه لعام واحد فقط بعد القبض، قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله تعالى- في الشرح الممتع: (أما إذا كان على مماطل، أو معسر: فلا زكاة عليه، ولو بقي عشر سنوات ؛ لأنه عاجز عنه، ولكن إذا قبضه: يزكيه مرة واحدة في سنَة القبض فقط، ولا يلزمه زكاة ما مضى.. . وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله، وهذا هو الراجح؛ لما يلي:
أولاً: أنه يشبه الثمرة التي يجب إخراج زكاتها عند الحصول عليها، والأجرة، التي اختار شيخ الإسلام وجوب الزكاة فيها حين القبض، ولو لم يتم عليها حول.
ثانياً: أن من شرط وجوب الزكاة: القدرة على الأداء، فمتى قدر على الأداء: زكَّى.
ثالثاً: أنه قد يكون مضى على المال أشهر من السنَة قبل أن يخرجه ديْناً.
رابعاً: أن إسقاط الزكاة عنه لما مضى، ووجوب إخراجها لسنَة القبض فقط: فيه تيسير على المالك؛ إذ كيف نوجب عليه الزكاة مع وجوب إنظار المعسر، وفيه أيضاً تيسير على المعسر ؛ وذلك بإنظاره .ومثل ذلك: المال المدفون المنسي، فلو أن شخصاً دفن ماله خوفاً من السرقة، ثم نسيه: فيزكيه سنة عثوره عليه فقط .وكذلك المال المسروق إذا بقي عند السارق عدة سنوات، ثم قدر عليه صاحبه: فيزكيه لسنَة واحدة، كالديْن على المعسر).
الخلاصة: تجب الزكاة في الدَّين اذا بلغ نصابا وحال عليه الحول، وهو قول الجمهور، وهو لا يخلو من أن يكون على أحد حالين: الاول: دَين على موسر مقر به غير مماطل ومرجو الأداء، فهذا تجب زكاته على صاحبه كلَّ عام؛ لأنه مال مملوك له، إلا أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة منه ما لم يقبضه، فإذا قبضه زكاه لكل ما مضى من السنين. وإن شاء أدى زكاته مع زكاة ماله كل عام، لأنه غير ميؤوس منه ويرجى سداده . الثاني: دَين على معسر مقر به، أو مماطل، أو جاحد غير مرجو الأداء، فهذا يزكيه إذا قبضه لعامٍ واحد فقط وإن أقام عند المَدين أعواماً. والله تعالى أعلم.
*التجريد [3/1353].
* المحتاج في شرح المنهاج [3/335]. *كشاف القناع [2/173].
* في الإشراف على نكت مسائل الخلاف [1/384]
- الموضوع الفقهي
- أحكام الزكاة
- عدد القراء
- 202