- الباب الفقهي
- العبادات / الصلاة
- المفتي
- الشيخ الدكتور أحمد حسن الطه
- عنوان الفتوى
- سبب صلاة الكسوف
- السؤال
- طالعنا يوم 29/4/1976م بظاهرة كونية قل ما تحدث (تدعى كسوف الشمس)( ) وأدّوا مراسيم صلاة الكسوف المتمثلة بركعتين، في كل ركعة قيامان يتلون فيها ما طال من السور. . ومن ثم قام الإمام مرتجلاً خطبة استغرقت خمسة وأربعين دقيقة، والذي استوقفني حقاً ما سنده إلى الرسول الأعظم ﷺ: «أنه الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم»( ). الفتوى: «نقطة خلاف». هو أن علماء الفلك أعلنوا للملأ ساعة كسوف الشمس، وحددوا مكث الكسوف- فما هي العلة- إذن، في صلاة الكسوف، وما هي الفائدة المرجوة، من الدعاء إذا كان كسوف الشمس أمراً طبيعياً، وكمية الكسوف ندركه آمل الجواب الذي يحفل بالموافقة، ويتفق مع الأسس العلمية ... والسلام ...
- الجواب
-
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه.
الأخ السائل فقهنا الله تعالى وإياك فيما ينفع. لا يستوقفك ما أسند إلى رسول الله ﷺ في موضوع الكسوف إلا ريثما تراجع كتب الصحاح والسنن لترى أن الشرع يأمر بشكر النعم والتعرف على موليها سبحانه في الرخاء والشدة على حدٍ سواء، وأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى وأهميتهما لا تحتاج إلى دليل، قال تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴾(١).
وما يحصل للشمس من احتجاب حالة الكسوف دليل قاطع على أن هذه النعمة الكبرى معرضة للزوال، والذي يملك التصرف في هذا الكوكب- وفي كل شيء- هو الله العلي القدير ولو طال إحتجابها كما استقام بقاء الإنسان والحيوان والنبات، وبدون الشمس لا ينبت زرع ولا يَدر ضرع. فلابد من الإنابة إليه واللجوء والاتكال عليه، وشكره على ما أنعم وسؤاله رفع البلاء والنقم ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾(٢).
والحديث «أخي» حديث صحيح رواه إماما المحدثين- البخاري ومسلم- من حديث أبي بكرة ومن حديث عائشة ومن حديث المغيرة بن شعبة ومن حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم أجمعين. ورغم أن أهل الاختصاص «علماء الهيئة» يحيلون هذه الظواهر إلى أسبابها- فإن الحكمة من صلاة الكسوف والدعاء لا تزال باقية وهي التضرع إلى الله تعالى وسؤاله دوام النعم والاعتراف بقدرته التي لا ينازع فيها ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾(٣).
ثم إن علمنا بأسباب هذه الظواهر لا يعني التأثير فيها، كما أن العلم بالسبب لا يستلزم إزالة أثر هذه الظواهر، ففي قوله ﷺ: «فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم» حكمة لا ترفعها معرفتنا لوقت الكسوف!
وقد تكلم علماؤنا رحمهم الله تعالى في أسباب هذه الظواهر فقالوا: «إن الكسوف مأخوذ من الكسف وهو الاستتار بالشمس أليق لأن نورها من ذاتها، وإنما تستتر عنا بحيلولة جرم القمر بيننا وبينها عند اجتماعهما، ولذلك لا يوجد- الكسوف- إلا عند تمام الشهور غالباً، والخسوف مأخوذ من الخسف وهو المحو وهو بالقمر أليق لأن جرمه أسود صقيل كالمرآة يضيء بمقابلته ضوء الشمس فإذا حال جرم الأرض بينهما عند منع المقابلة من وصول نورها إليه فيظلم، ولذلك لا يوجد إلا قبيل أنصاف الشهور غالباً»(٤). وفي تفسير قوله تعالى: (وخسف القمر) يقول أئمتنا: «والخسوف ذهاب نور القمر لتقابل النيرين- الشمس والقمر- وحيلولة الأرض بينهما»(٥). وختاماً .. لابد من اللجوء إلى الله سبحانه في رفع كل نازلة ولابد من التوبة والتقرب إليه تعالى في كشف كل بلاء وكل غمة سواء عرفنا الأسباب والمقدمات التي أوصلتنا إلى ذلك أم لم تعرف، وبالله التوفيق.
(١) سورة القصص، الآية: 71.
(٢)سورة الأنعام، الآية 43.
(٣)سورة البقرة، الآية 258.
(٤)أنظر: حاشية الشيرواني على التحفة شرح منهاج النودى رحمهم الله ج3/ 56 و57، وفيه بحث جليل في بيان أن نور القمر مستفاد من الشمس وأن ضياءها ذاتي، قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ نوح: ١٦.
(٥) أنظر: روح المعاني تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للشهاب أبي الثناء الآلوسي رحمه الله، ج29/ 139.
- الموضوع الفقهي
- الصلاة
- عدد القراء
- 168