- الباب الفقهي
- العبادات / الصلاة
- المفتي
- الشيخ الدكتور طه أحمد الزيدي
- عنوان الفتوى
- اجتماع الجمعة والعيد
- السؤال
- ما حكم صلاة الجمعة إذا اجتمعت في يوم مع صلاة العيد؟ أرجو التفصيل مع الادلة.
- الجواب
-
بناء على طلب السائل ستكون هذه الفتوى مؤصلة موسعة.
عند اجتماع صلاتي العيد والجمعة في يوم واحد، فتقام الصلاتان من قبل إمام المسجد؛ ولكن يسقط وجوب حضور صلاة الجمعة عمن شهد صلاة العيد وحضورها أولى لأهل الحي خروجا من الخلاف، وكذلك يرخص فيها لأهل القرى والأماكن البعيدة عن المسجد الذين يشق عليهم الرجوع إلى البلد أو المسجد لصلاة الجمعة، وتجب على من لم يحضرها صلاة الظهر.
أما إقامة الصلاتين فلما ثبت عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَقْرَأُ بِهِمَا أَيْضًا فِي الصَّلَاتَيْنِ (1).
فدلالته واضحة على أنه ﷺ كان يصلي العيد والجمعة ويصلي معه الصحابة الكرام ممن شهدوا معه العيد. وأما إسقاط وجوب حضورها والترخص لمن شهد صلاة العيد لما ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» (2).
وعَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما، وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رضي الله عنه، قَالَ: أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعَ؟ قَالَ: صَلَّى الْعِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيُصَلِّ» (3)، وبوب له النسائي باب الرُّخْصَةُ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ شَهِدَ الْعِيدَ.
وقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ العَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ» (4).
وتجب صلاة الظهر على من تخلف عن الجمعة لحضوره العيد عند السادة الشافعية والحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله(5) : “إن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة؛ لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد،... ولأنه: إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة فتكون الظهر في وقتها”..
وذهب السادة الحنفية والمالكية إلى أنه إذا وافق العيد يوم الجمعة فلا يباح لمن شهد العيد التخلف عن الجمعة، ويرون أنه لا تجزىء واحدة منهما عن الأخرى فينبغي على المسلم أن يصلي العيد وأن يصلي الجمعة لأن عموم الأدلة التي أوجبت الجمعة لم تخص بدليل يصلح لذلك عندهم، ومع وجاهة هذا القول وحرص أصحابه على إقامة شعيرة صلاة الجمعة وأن الفرض أولى بالأداء من التطوع، إلا أننا نرى أن حديث زيد بن أرقم وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما قيد مطلق الوجوب، فتكون كمن سقط وجوبها عنه لعذر شرعي من سفر أو مرض.
وما نقل عن بعض العلماء من إسقاط الجمعة والظهر أيضاً، فمرجوح وقد نسب إلى عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وإلى عطاء بن أبي رباح من كبار التابعين، وفي نسبته إليهما نظر، وبيان ذلك كما يأتي:
إنّ مستند هذه النسبة ما ثبت عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: (اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ، وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: «عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ»، فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً، لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ) (6).
ولو تتبعنا روايات هذه الواقعة لتحصل لنا الآتي :
الرواية الثانية: عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: (صَلَّى بِنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «أَصَابَ السُّنَّةَ»(7) .
الرواية الثالثة: عن عطاء قال: (اجتمع عيدان في عهد ابن الزبير فصلى بهم العيد ثم صلى بهم الجمعة صلاة الظهر أربعاً)(8) .
الرواية الرابعة: عن ابن جريج عن عطاء فذكر ما حدث في عهد ابن الزبير ثم قال عطاء: (... وصليت أنا الظهر يومئذ)(9).
فالرواية الثانية تثبت أنهم صلوا الظهر وحداناً، والرواية الثالثة تثبت أنهم صلوا الظهر أربعاً، والرواية الرابعة تثبت أن عطاء صلى الظهر.
فهذه الروايات التي وقفنا عليها بخصوص هذه الواقعة تدل على أن ابن الزبير رضي الله عنه اسقط وجوب الجمعة أو قدمها وصلى بأصحابه أو صلوا من دونه الظهر وصلى عطاء الظهر، وأن نسبة القول بإسقاط الظهر إلى ابن الزبير وعطاء غير صحيحة، كما أن التصريح بأداء صلاة الظهر مقدم على عدم التصريح بذلك في الرواية الأولى.
قال الصنعاني :(10) “ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة يكون عيداً على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله بل في قول عطاء أنهم صلوا وحداناً أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه ولا يقال إن مراده صلوا الجمعة وحداناً فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعاً”..
الرواية الخامسة: عن وهب بن كيسان قال: (اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَأَخَّرَ الْخُرُوجَ حَتَّى تَعَالَى النَّهَارُ، ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ فَأَطَالَ الْخُطْبَةَ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ لِلنَّاسِ يَوْمَئِذٍ الْجُمُعَةَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ) (11).
فهذه الرواية تدل على أن ابن الزبير أخر صلاة العيد وقدم صلاة الجمعة، وصلاهما معا على هيئة صلاة الجمعة لأن المعهود من السنة أن صلاة العيد تقدم على خطبتها بخلاف صلاة الجمعة إذ تؤخر عن الخطبتين، قال البغوي (12): وأما صنيع ابن الزبير، فإنه لا يجوز عندي أن يحمل إلا على مذهب من يرى تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال.
(1)أخرجه مسلم.
(2) أخرجه أبو داود، وابن ماجه وصححه الحاكم والألباني.
(3) أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وهو صحيح.
(4)أخرجه البخاري.
(5)في مجموع الفتاوى، 24/ 211.
(6) أخرجه أبو داود، وصححه الألباني.
(7) أخرجه أبو داود، وصححه الألباني.
(8)مصنف ابن أبي شيبة.
(9)مصنف عبد الرزاق.
(10)في سبل السلام، 2/ 53.
(11)أخرجه النسائي وصححه الألباني.
(12)في شرح السنة 4/223.
- الموضوع الفقهي
- الصلاة
- عدد القراء
- 191