ما حكم صلاة النافلة أثناء إقامة الصلاة للجماعة؟ جزاكم الله خيرا.
- الباب الفقهي
- العبادات / الصلاة
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- صلاة النافلة أثناء إقامة الصلاة للجماعة
- السؤال
- ما حكم صلاة النافلة أثناء إقامة الصلاة للجماعة؟ جزاكم الله خيرا.
- الجواب
-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى منع التنفل مطلقا أثناء إقامة صلاة الجماعة، لما رواه الأمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي ﷺ، قال: (( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة))، ولحديث مالك ابن بحينة -رضي الله عنه-: أن رسول الله ﷺ رأى رجلا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين فلما انصرف رسول الله ﷺ لاث به [ التفوا حوله] الناس، وقال له رسول الله ﷺ: ((الصبح أربعاً الصبح أربعاً)) متفق عليه، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه أبو داود الطيالسي قال كنت: أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة فجذبني نبي الله ﷺ وقال: ((أتصلي الصبح أربعاً؟)) وأخرجه أيضاً البيهقي والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال: إنه على شرط الشيخين ، وحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- الذي أخرجه البزار قال: خرج رسول الله ﷺ حين أقيمت الصلاة فرأى ناساً يصلون ركعتي الفجر فقال: ((صلاتان معاً؟))، ونهى أن تصليا إذا أقيمت الصلاة . وأخرجه أيضا الامام مالك في الموطأ.
وحديث عبد الله بن سرجس -رضي الله عنه- الذي رواه مسلم وابو داود والنسائي وابن ماجة أن رسول الله ﷺ رأى رجلا يصلي الركعتين قبل صلاة الغداة[الفجر]، وهو في الصلاة، فلما صلى قال له: ((يا فلان بأي صلاتيك اعتددت، بالتي صليت وحدك أو بالتي صليت معنا ؟ )).
وقد استدل جمهور العلماء بهذه الآثار وغيرها على عدم جواز الإتيان بنافلة اثناء إقامة الصلاة.
قال الإمام ابن قدامة -رحمه الله- في المغني [1/329]: ( وإذا أقيمت الصلاة، لم يشتغل عنها بنافلة، سواء خشي فوات الركعة الأولى أم لم يخش، وبهذا قال أبو هريرة، وابن عمر -رضي الله عنهم-، وعروة، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور).
وقال الإمام النووي -رحمه الله- في المجموع [4/212]: ( قال الشافعي والأصحاب: إذا أقيمت الصلاة كره لكل من أراد الفريضة افتتاح نافلة، سواء كانت سنة راتبة لتلك الصلاة، أو تحية مسجد، أو غيرهما لعموم هذا الحديث، وسواء فرغ المؤذن من إقامة الصلاة أم كان في أثنائها، وسواء علم أنه يفرغ من النافلة ويدرك إحرام الإمام أم لا، لعموم الحديث، هذا مذهبنا، وبه قال عمر بن الخطاب، وابنه، وأبو هريرة، وسعيد بن جبير وابن سرين، وعروة بن الزبير، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وحكى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى ركعتي الفجر والإمام في المكتوبة، وقالت طائفة: إذا وجده في الفجر ولم يكن صلى سنتها يخرج إلى خارج المسجد فيصليها، ثم يدخل فيصلي معه الفريضة، ثم يدخل فيصلي معه الفريضة حكاه ابن المنذر عن مسروق ومكحول والحسن ومجاهد وحماد بن أبي سليمان وقال مالك مثله إن لم يخف فوت الركعة فإن خافه صلى مع الإمام وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأبو حنيفة إن طمع أن يدرك صلاة الإمام صلاهما في جانب المسجد والا فليحرم معه).
قال الحافظ العراقي -رحمه الله-: إن قوله: ( فلا صلاة ) يحتمل أن يراد: فلا يشرع حينئذ في صلاة عند إقامة الصلاة، ويحتمل أن يراد: فلا يشتغل بصلاة وإن كان قد شرع فيها قبل الإقامة بل يقطعها المصلي لإدراك فضيلة التحريم، أو أنها تبطل بنفسها وإن لم يقطعها المصلي، يحتمل كلا من الأمرين) [نيل الاوطار للشوكاني 3/103 ].
وذهب الحنفية إلى تخصيص سنة الفجر بالجواز، قال الإمام السرخسي في المبسوط [1/305]:(إذا انتهى إلى المسجد وقد افتتح القوم صلاة الفجر، يأتي بركعتي الفجر إن رجا أن يدرك مع الإمام ركعة في الجماعة.. وإن خاف فوت الجماعة دخل مع القوم؛ لأن أداء الصلاة بالجماعة من سنن الهدى).
والمفتى به:
هو قول جمهور العلماء من أنه يجب عليه قطع صلاة النافلة، إذا شرع فيها أثناء إقامة الصلاة سواء كانت سنة الفجر أو غيرها من السنن، لثبوت النهي عن صلاة النافلة حينئذ، ولا يحتاج الأمر في الخروج منها إلى تسليم بل يقطع الصلاة وينضم إلى الإمام على الصحيح من قولي العلماء.
ومن العلماء من حمل النهي على الكراهة، ومنهم من حمله على التحريم، ومنهم من قيد النهي بما إذا خيف فوات ركعة.
والراجح- والله أعلم- هو التحريم مطلقاً؛ لأن الأصل في النهي أن يكون للتحريم فلا يصرف عنه إلا بدليل صارف، ولا صارف هنا؛ ولأن قوله: (لا صلاة الا المكتوبة) فالحرف[ لا ] هنا نكرة واقعة في سياق نفي، فهي تفيد العموم، وهي نافية للجنس وتدل على نفي الخبر عن الجنس الواقع بعدها على سبيل الاستغراق، بمعنى: نفيه عن جميع أفراد الجنس نصا، لا على سبيل الاحتمال، ونفي الخبر عن الجنس يستلزم نفيه عن جميع أفراده، أي فلا صلاة صحيحة اثناء الاقامة الا المكتوبة .
وأما إذا شَرَعَ المؤذن في الإقامة بعد شروع المتنفل في صلاته، وهو في الركعة الثانية فله أن يتمها خفيفة لإدراك فضيلة تكبيرة الإحرام، والمبادرة إلى الدخول في الفريضة، وأما اذا كان في الركعة الأولى فوجب عليه قطعها.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في الشرح الممتع :(والذي نرى في هذه المسألة: أنك إن كنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة، وإن كنت في الركعة الأولى فاقطعها، ومستندنا في ذلك قول النبي ﷺ: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) رواه البخاري ومسلم، وهذا الذي صلى ركعة قبل أن تقام الصلاة يكون أدرك ركعة من الصلاة سالمة من المعارض الذي هو إقامة الصلاة، فيكون قد أدرك الصلاة بإدراكه الركعة قبل النهي فليتمها خفيفة، ثم قال: وهذا هو الذي تجتمع به الأدلة).
والله تعالى اعلم.
- الموضوع الفقهي
- الصلاة
- عدد القراء
- 190