نحن طلبة علم ممكن أن توضح كيف كان يؤذن لصلاة الجمعة في عهد رسول الله ﷺ؟، وهل كانت آنذاك سنة قبلية للجمعة حسماً للخلاف الذي وقع بيننا؟ جزاكم الله خيرا.
- الباب الفقهي
- العبادات / الصلاة
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- أذان الجمعة والسنة القبلية له
- السؤال
- نحن طلبة علم ممكن أن توضح كيف كان يؤذن لصلاة الجمعة في عهد رسول الله ﷺ؟، وهل كانت آنذاك سنة قبلية للجمعة حسماً للخلاف الذي وقع بيننا؟ جزاكم الله خيرا.
- الجواب
-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن السنة القبلية لصلاة الجمعة لم تكن موجودة على عهد النبيّ ﷺ ولا على عهد الخلفاء الراشدين، فقد كان للجمعة أذان واحد - سوى الاقامة- حين جلوس الإمام على المنبر، وإنما سنّ أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه- الأذان الأول لتنبيه وإعلام الناس إلى السعي لصلاة الجمعة، فقد روى البخاري والنسائي والترمذي وابن ماجه وأبو داود: (أن الأذان كان أوله للجمعة حين يجلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، فلما كان خلافةُ عثمان - رضي الله عنه- وكثر الناسُ أمر عثمان بأذانٍ ثان، فأُذّن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك).
وكان هذا الأذان للإعلام لما كثر المسلمون فزاده اجتهادا منه، ووافقه سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار، فصار إجماعا سكوتيا، ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)، وكان الأذان خارج المسجد بمنطقة مرتفعة في السوق تسمى الزوراء، وبعد ذلك أدخله أحد أمراء الدولة الأموية إلى داخل المسجد .
وقد نقل الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في فتح الباري عن الحافظ العراقي-رحمه الله تعالى- [2/426] قوله: (لم ينقل عن النبيﷺ أنه كان يصلي قبل الجمعة، لأنه كان يخرج إليها فيؤذن بين يديه ثم يخطب).
ولهذا فقد ذهب أكثر اهل العلم علي أنه ليس قبل الجمعة سنة قبلية موقته بوقت، وهذا مذهب الإمام مالك والإمام الشافعي وأكثر أصحابه، ومشهور مذهب الامام أحمد،
وذهب الحنفية إلى أنه تسن الصلاة قبل الجمعة، فأوجبوا السعي وترك البيع يوم الجمعة بالأذان الأول للتمكن من أدائها
والمفتى به:
هو ما ذهب اليه أكثر أهل العلم من عدم وجود سنة راتبة قبلية للجمعة والاقتصار على أذان واحد لها،تأسيا برسول الله ﷺ وإقتداءً بالخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وكذلك أمير المؤمنين علي - رضوان الله تعالى عنهم- فقد ذكر الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن [18/101]: ( أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كان يُؤذن له أذانا واحدا بالكوفة كما كان في زمن النبي ﷺ)؛ ولأن علة الإعلام في زمن الخليفة عثمان - رضي الله عنه- الآن انتفت بمكبرات الصوت وبوجود آلة الساعة ومواقيت الصلاة، والسّنة متى وصل المسلم إلى المسجد يصلي ما كتب الله تعالى له ثنتين أو أكثر لقوله ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الامام مسلم: ((من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى المسجد فصلى ما قُدِّر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته كتب له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام)).
ومع هذا فالأمر فيه سعة فمن أذن أذانين فلا باس، فهو مقتد بالخليفة الراشد عثمان بن عفان- رضي الله عنه- ومن وافقه من الصحابة،وأن يكون الاذان قبل الوقت بفترة كافية ليتجهّز الناس للصلاة، وكما تفعله الآن بعض البلدان الاسلامية.
وعليه فمن جلس ولم يصلِّ سنة قبلها فقد أصاب فلا يُنكر عليه، ومن صلى نافلة مطلقة قبلها جاز ذلك فلا يُنكر عليه.
قال شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى الكبرى [24/193]: (ويتوجه أن يقال هذا الأذان لما سنّه عثمان -رضي الله عنه- واتفق المسلمون عليه صار أذانا شرعيا وحينئذ فتكون الصلاة بينه وبين الأذان الثاني جائزة حسنة، وليست سنة راتبة كالصلاة قبل صلاة المغرب، وحينئذ فمن فعل ذلك لم ينكر عليه ومن ترك ذلك لم ينكر عليه، وهذا أعدل الأقوال وكلام الإمام أحمد يدل عليه، وحينئذ فقد يكون تركها أفضل إذا كان الجهال يظنون أن هذه سنة راتبة أو أنها واجبة فتترك حتى يعرف الناس أنها ليست سنة راتبة ولا واجبة لا سيما إذا داوم الناس عليها فينبغي تركها أحيانا).
ولا يجوز أن يسبب الخلاف في ذلك الفرقة والتناحر بين المسلمين، فالأمر مختلف فيه بين العلماء، فلكلٍ دليل ووجهة نظر محترمة، فلا يُنكر على المختلف فيه اختلافا سائغا، وانما يُنكر على المُجمع عليه، ولا يحل أن يكون بسبب هذا تنازع وافتراق واختلاف واتهامات متبادلة بالتبديع والتضليل، في وقت أحوج ما تكون فيه الأمة إلى الوحدة والائتلاف وترك الفرقة والتناحر والاختلاف.
وما أجمل قول الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى - في مجموع فتاويه والذي يُكتب بماء الذهب: (إذا اختلف الفقهاء في سنة فقال بعضهم: هي سنة، وقال آخرون: ليست بسنة، فليس لازم قول الذين يقولون: إنها ليست بسنة أن يبدعوا الآخرين، لا يبدعونهم أبداً، لأننا لو بدعنا المخالف لنا في هذه الأمور لزم أن يكون كل الفقهاء في مسائل الخلاف مبتدعة؛ لأن الذي يقول لي: أنت مبتدع، أقول له: وأنت مبتدع!!، فيبقى الفقهاء كلهم في مسائل الخلاف أهل بدعة، وهذا لا قائل به، فإذا اختلف العلماء رحمهم الله في مسائل لا تتعلق بالعقيدة وليست محدثةً حدثاً واضحاً، إنما اختلفوا في مفهوم النصوص، فهنا نقول: الأمر واسع، ولا يمكن أن يبدع بعضنا بعضاً).
والله تعالى أعلم.
- الموضوع الفقهي
- الصلاة
- عدد القراء
- 176