أرى في اغلب مساجدنا ان الأئمة وكذلك المصلين لا يهتمون بتسوية الصف ولا بسد الفُرج والخلل، فمهما حاولت أن أسدّ ما بيني وبين المصلي بجنبي يبتعد عني، فما حكم تسوية الصفوف في صلاة الجماعة؟ جزاكم الله خيرا.
- الباب الفقهي
- العبادات / الصلاة
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- حكم تسوية الصفوف في الصلاة
- السؤال
- أرى في اغلب مساجدنا ان الأئمة وكذلك المصلين لا يهتمون بتسوية الصف ولا بسد الفُرج والخلل، فمهما حاولت أن أسدّ ما بيني وبين المصلي بجنبي يبتعد عني، فما حكم تسوية الصفوف في صلاة الجماعة؟ جزاكم الله خيرا.
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد؛
فانّ تَسوية الصفوف، وإتمامها وتراصِّها، وإتمام الصف الأول فالأول وإكماله، وسدِّ الفُرَج أو الخَلَلِ فيها من سّنة النبيّ ﷺ فقد ثبت عنه ذلك في جملة من الأحاديث الصحاح، وكذلك من سنّة خلفائه الراشدين وتابعيهم بإحسان، ولكن مع الاسف الشديد باتت الآن تسوية الصفوف وسد الخلل فيها من السنن المهجورة، ولا سيَّما عند الكثير من طلبة العلم فضلاً عن عامة الناس، ولهذا قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في إعانة الطالبين: (ومِن السُّنن المهملة المَغفول عنها: تسوية الصفوف والتراص فيها، وقد كان عليه الصلاة والسلام يتولى فعل ذلك بنفسه، ويُكثر التحريض عليه والأمر به).
وقال الإمام ابن عبد البر القرطبي المالكي - رحمه الله تعالى- في الاستذكار حول مسألة تسوية الصفوف [2/288]: (هو أمر مُجتمَع عليه، والآثار عن النبي عليه السلام كثيرة فيه، .... وأما تَسوية الصفوف في الصلاة فالآثار فيها مُتواتِرة مِن طرُق شتَّى، صِحاح كلُّها ثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسوية الصفوف، وعمل الخلفاء الراشدين بذلك بعده، وهذا ما لا خلاف فيما بين العلماء فيه).
وقد اختلف العلماءُ في وجوب تسوية الصُّفوف على قولين:
القول الأول: وجوب تسوية الصُّفوف، ويأثم من تعمد الإخلال بها مع صحة صلاته.
القول الثاني: غير واجبة وانها تُسنُّ تسويةُ الصُّفوفِ في الصَّلاة، ولا إثم على تاركها، وإن كان قد فاته خيرٌ كبير، وفضلٌ عظيم.
والمفتى به: هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من وجوب تسوية الصفوف ويأثم من تعمد الإخلال بها مع صحة صلاته، وأن التسوية المأمور بها إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم، والكعب بالكعب حتى لا يكون في الصف خلل ولا فرجة، والتراص في الصفوف وإكمالها، ولا يتقدم بعض المصلين على البعض الآخر في الصف، بحيث يكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، إذا تحرك أوله اهتز آخره، وللأسف الشديد أصبحت تسوية الصفوف وتراصها من السنن المهجورة بين المسلمين، إلا من رحم الله، وهكذا حال أكثر الناس في هذا الزمان، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
فعلى الأئمة في صلاة الجماعة أن يأمروا المصلين بتسوية الصفوف تأسيا بالنبي وتنفيذا لأمره ﷺ بذلك، وعلى المأمومين أن يمتثلوا الامر، وعلى المصلي أن يسد الفرجة في الصف ويتصل ألى جهة الإمام، فاذا كان على يمين الإمام اتصل الى اليسار، وإذا كان المأموم على جهة يسار الإمام اتصل إلى اليمين، ولا يضره بعد ذلك شيئا.
وتسوية الصفوف لها شأْن عظيم في إِقامة الصلاة، وحُسْنِها، وتمامها، وكمالها، وفي ذلك من الفضل والأَجر، وائتلاف القلوب واجتماعها، ووحدة الصف ما شهدت به النصوص. وقد روى الطبراني في الاوسط عن سيدنا علي بن ابي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: (استَووا تَستوِ قلوبُكم، وتماسُّواتراحموا)، وقال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين [5/28]: (اجتِماعُ القلوب وتآلُفُ الكلمة مِن أعظم مقاصد الشرع، وقد سدَّ الذريعة إلى ما يُناقِضه بكل طريق حتى في تسوية الصفِّ في الصلاة؛ لئلا تَختلف القلوب، وشواهد ذلك أكثر من أن تُذكَر).
وقد تميزت هذه الأُمة المرحومة، وخُصَّت بأَن صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة كما صح ذلك عنه عليه الصلاة والسلام.
والله تعالى اعلم.
- الموضوع الفقهي
- الصلاة
- عدد القراء
- 183