- الباب الفقهي
- فتاوى أخرى
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- مصافحة النساء
- السؤال
- ما حكم مصافحة المرأة بحائل وبغير حائل؟
- الجواب
-
المصافحة بين رجلين، أو بين امرأتين سنة حسنة مجمع عليها عند التلاقي، ورد فيها أحاديث منها: قوله -صلى الله عليه وسلم - "إذا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَاهُ غُفِرَ لَهُمَا"*. وقوله : "ما من مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلا غُفِرَ لَهُمَا قبل أَنْ يَفْتَرِقَا"**.
وَكما تُسنُ المصافحة؛ تُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ، فقد سأل رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ : " الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أو صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي له؟ قال: لا. قال: أَفَيَلْزَمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قال: لا. قال: فَيَأْخُذُ بيده فَيُصَافِحُهُ؟ قال: نعم"***. فيُسْتَحَبُّ تَصَافُحُ الرَّجُلِ مع الرجلِ، وَالْمَرْأَةِ مع المرأةِ.
وأما مصافحة الرجلِ مع المرأةِ الأجنبية: فالأمر يحتاج إلى تجلية وتوضيح:
فالفقهاء يقولون: لا تجوز مصافحة المرأة الأجنبية الشابة؛ أما العجوز فللرجل مصافحتُها. وَكان أبو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ.
والشَيْخ الذي يَأْمَنُ على نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا يَحِلُّ له الْمُصَافَحَةُ، ومن لا يَأْمَنُ عليها وَلا على نَفْسِهِ لا تَحِلُّ له مُصَافَحَتُهَا؛ لِمَا فيه من التَّعْرِيضِ لِلْفِتْنَةِ****. فقد ورد التساهل مع العجائز في قوله تعالى : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) (النور 60). وسئل أحمد عن الرجل يصافح المرأة؟ قال: لا، وشدد فيه جدا، قيل: فيصافحها بثوبه؟ قال: لا. والأدلة على ما ذهب إليه الفقهاء:
- قول عَائِشَةُ : والله ما مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ في الْمُبَايَعَةِ ما يُبَايِعُهُنَّ إلا بِقَوْلِهِ قد بَايَعْتُكِ على ذَلِكِ*****.
- وفي حديث آخر :"إني لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ"******.
- والدليل العقلي: وهو خوف الفتنة؛ بقرينة جواز مصافحة العجوز لأمن الفتنة.
وقول عائشة يدخل في باب التروك عند الأصوليين؛ أي ما ترك رسول الله فعله. والتروك داخلة في الأفعال؛ لأنها كفٌ، والكفُ فعلٌ؛ والفعلُ المجردُ (من فعل أو كف) لا يثبت به وجوبٌ أو حرمةٌ. وقوله: (لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ) ليس فيه نهيٌ لغيره عن المصافحة، بل ربما نزَّه نفسَه عن أمرٍ، فهو من كراهة التنزيه.
فضلاً عن معارضة ما تقدم بقول أُمِّ عَطِيَّةَ الأنصارية: (بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَرَأَ عَلَيْنَا (أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شيئاً) وَنَهَانَا عن النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتْ امْرَأَةٌ يَدَهَا، فقالت: أَسْعَدَتْنِي فُلانَةُ، أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فما قال لها النبي شيئا، فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ فَبَايَعَهَا)*******. وفي النص إشارة إلى أن بيعة النساء كانت أيضاً بالأيدي، فتخالف ما نقل عن عائشة. وأجاب ابن حجر: (يحتمل أنهن كن يشرن بأيديهن عند المبايعة بلا مماسة)********. وهذا الاحتمال لا يقوم حجة لدفع ظاهر النص؛ لأن ظاهر النص هو المصافحة، والاحتمال لا يدفعه. ويضاف لها المعارضة من قول أنس : (كانت الأَمَةُ من إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رسول اللَّهِ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ) *********. فكيف كانت الأمة تأخذ بيده -صلى الله عليه وسلم- من غير لمسها؟
وقد أطال القرضاوي في مناقشة قضية المصافحة، وتوصل إلى خلاصة مفادها**********:
1. تجوز المصافحة عند عدم الشهوة وأمن الفتنة.
2. ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة، كالأقارب والأصهار الذين بينهم خلطة وصلة قوية، ولا يتوسع فيها تأسياً بالنبي .
3. من الأفضل للمسلم أن لا يبدأ هو بالمصافحةِ؛ ولكن إذا صوفحَ صافحَ.
*خرجه أبي داود، بَاب في الْمُصَافَحَةِ، حديث رقم 5211.
**أخرجه أبي داود، بَاب في الْمُصَافَحَةِ، برقم5212. والترمذي، بَاب ما جاء في الْمُصَافَحَةِ ، برقم 2727 وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
***أخرجه التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
****ابن نجيم، البحر الرائق 8/219.
*****رواه البخاري، بَاب (إذا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ) حديث رقم 4609.
******صحيح ابن حبان، يستحب للإمام أخذ البيعة من نساء رعيته، حديث رقم 4553، وابن ماجه، بَاب بَيْعَةِ النِّسَاءِ، برقم 2874. وحسنه ابن حجر في الفتح 13/204.
*******أخرجه البخاري، بَاب (إذا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ)، برقم 4610.
********فتح الباري 13/204.
*********رواه البخاري، بَاب الْكِبْرِ، برقم 5724.
**********انظر: فتاوى معاصرة، ط1 المكتب الإسلامي بيروت 1421-2000 2/317-329.
- الموضوع الفقهي
- مصافحة النساء
- عدد القراء
- 178