- الباب الفقهي
- فتاوى أخرى
- المفتي
- الشيخ د. عبد الوهاب الطه
- عنوان الفتوى
- حكم لعب كرة القدم برِهَان
- السؤال
- نحن في ناحية شوان «موظفون ومعلمون ومدرسون» نزاول لعب الكرة لقضاء بعض الوقت وبالنسبة لي كمسلم أشارك معهم الرياضة لأن المسلم اجتماعي وفي الرياضة الفائدة والقوة وحينما يكون السباق بدون رهن أشاركهم في اللعب وعندما يعلن في بداية اللعب أنه سيكون رهن كالبرتقال وغيره أترك الساحة ولا أشارك معهم، وأخبرهم بأن هذا حرام ولا يجوز ذلك، فمن بين الذين يشاركون في اللعبة يدعون بأنهم لا يأكلون من هذا المال ولكن يدفع الثمن في حالة الخسارة، فهل أن الشرع الإسلامي يعتبره آثماً؟
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه. وبعد؛
فإن المسابقة بصفة عامة جائزة لورودها في السنة النبوية بأسانيد صحيحة والإجماع على ذلك حاصل، سواء كانت بالرمي أم على ظهور الخيول أم ركضاً على الأقدام، وكذا بالمصارعة وحمل الأثقال والسباحة والغطس ومسابقة الطيور والدراجات والسيارات.
أ. فالمسابقة في كل هذه الأمور المتقدمة جائزة إذا كانت بدون عوض أو مراهنة عليه، لمجرد التنشيط والتسلية، والشريعة لا تضيق رحابها عن تجويز ذلك.
ب. أما إذا كانت المسابقة بعوض مشروط: ففي بعض الأمور المتقدمة تجوز بشروط، وفي البعض الآخر لا تجوز المسابقة بعوض مطلقاً.
فالأمور التي تجوز فيها المسابقة بعوض هي التي تعتبر عدة للمجاهد في سبيل الله تعالى أيام الحرب كالمسابقة في الرماية وإصابة الهدف والمسابقة في ركوب الخيل والإبل، لأن ذلك من القوة التي أمر الله تعالى بإعدادها في قوله سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(1).
وقد فسر النبي ﷺ القوة التي أمر الله تعالى بإعدادها بالرمي فقال: «ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي»(2)، وقال: «ليس منا من تعلم الرمي ثم تركه».
كما ورد في حديث آخر حصر المسابقة على عوض فيما يعتبر من جملة الإعداد للجهاد، ففي الحديث: «لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر»(3).
وروي «لا سبَق» بفتح الباء هو المال الذي يأخذه السابق، وعلى هذا فالمسابقة من غير «سبق» وتخصيص مال تجوز في غير النصل والخف والحافر.
وعلى أساس أن الأحكام تدور وتوجد مع عللها فقد الحق بعض الفقهاء بالمسابقة بالنصل والحافر والخف- كل ما من شأنه القوة للحرب والإعداد للجهاد فألحقوا المسابقة بالطيور- إن كانت تستعمل لنقل الأخبار وقد كانوا يحتاجونها- فإن انتفت الحاجة بوجود أجهزة المخابرات فلا تجوز المسابقة بعوض في الطيور، كما جوزوا إلحاق المسابقة بعوض في السباحة والغطس إن احتاجوا إلى ذلك في الجهاد.
ج. والعوض المخصص في المسابقة التي ذكرنا مقاصدها الحسنة- يجوز أكله من قبل المتسابقين إن دفعه الحاكم بدافع التشجيع، كما يجوز أن يستقل به الشخص الفائز أو الفريق إن كانت المسابقة جماعية.
وكذلك الحكم إن دفعه أجنبي- كالحكم أو مدير المدرسة...
أما إذا كان العوض يدفع من قبل أحد المتسابقين فقط: فإن سبق هو أخذه وأرجعه لنفسه وإن سبق الفريق الثاني أو الشخص الثاني أخذه وملكه، إن شاء استقل بأكله، وإن شاء وزعه على كلِ أو بعضِ المتسابقين فهذا جائز أيضاً ويحل أكلُه.
وإذا اشترط أن يدفع الشخصان المتسابقان قدراً معلوماً فَمَنْ سبق أخذ جميع المال- فهذا لا يجوز لوجود صورة القمار المحرم شرعاً.
والطريق المشروع: أن يكون المتسابقون أو الفرقاء ثلاثة:
يدفع الفريق أو الشخص (أ) عشر برتقالات والفريق أو الشخص (ب) عشر برتقالات أيضاً والفريق أو الشخص (ج) لا يدفع شيئاً، ثم تبدأ حلبة الرمي أو السباق المتقدمة فالذي يفوز بالأولية يأخذ ما أرصد من قبل الفريقين (أ) و(ب) بشرط أن يكون الفريق (ج) المحلل كفؤاً لقرينيه، لا مسابقاً رمزياً.
وما ذكره الأخ السائل يعرف حكمه مما قلناه وهو: أن المسابقة بعوض تجوز فيما يعتبر من وسائل الحرب وإعداد القوة فقط، والذي لا يعتبر من الوسائل الحربية وإعداد القوة لا تجوز المسابقة فيه بعوض(4)، والظاهر أن اللعب بالكرة لا يدخل في قائمة القوة التي أمر الشرع بإعدادها للحرب(5)، على خلاف القياس. لأن أخذ العوض في المسابقة ثبت بالنص- لا سَبَقَ إلا في نصل أو خف أو حافر-. والحكمة من تشريعها- المسابقة- بعوض هو التحريض على تعلم فنون القتال لإعلاء كلمة الله تعالى، وبدون هذه النية لا يبعد القول بالمنع، لأن الأعمال بالنيات.
والمخرج من مسابق الكرة أن تكون بغير عوض ولا رهان، أو يتبرع بالعوض شخص من غير اللاعبين، أو يشترك بدفع العوض كل اللاعبين ويأكله الكل أيضاً، ولا تصبح المسألة من باب المسابقة على عوض.
والتقييد بالمسابقة المباحة أو المشروعة يخرج غير المشروع كاللعب بالنرد فهو محرم قبل المراهنة ومعها تضاف حرمة أخرى، ومن المؤسف أن بعض الأخوة وفقنا الله تعالى وإياهم تصوروا أن علة التحريم في الألعاب محصورة في ذات المراهنة، لذا نراهم لا يكترثون باللعب بالنردشير «الطاولي» في المقاهي إلى أن يحين وقت الصلاة فيثور تاركاً ذلك على أساس أنه بدون رهان علماً بأن اللعب بذلك محرم لذاته.
لورود النهي عنه في الحديث الصحيح، قال عليه الصلاة والسلام: (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله)(6)، فليس ذلك من المسابقة المشروعة، والثابت أنه من ألعاب المجوس التي لا تهدف إلى مقصد حسن مشروع.
وأعتذر إلى القارئ الكريم في إطالة الجواب لضرورة إيراد قسمي المسابقة بعوض وبغير عوض، رغم أن الأمر يقتضي هذا في رأيي، والله الموفق، وهو حسبنا.
(1)سورة الأنفال: الآية 60.
(2)رواه مسلم.
(3)رواه أبو داود، أنظر: عون المعبود على سنن أبي داود 7/241، وكذا رواه الترمذي وحسنه، أنظر: عارضة الاحوذي على سنن الترمذي 7/192.
(4)قال بعض فقهاء المالكية بكراهة أخذ العوض في المسابقة بما لا يعتبر من إعداد القوة. أنظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 2/210، والشرح الصغير: 2/323، ولا يخفى أن ظاهر الحديث لا يؤيد هذا..
(5)أنظر: مغني المحتاج للخطيب الشربيني: 4/311 و312، ومغني ابن قدامة الحنبلي: 9/468.
(6)رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم والإمام أحمد، وفي صحيح مسلم: (من لعب بالنرد شير ...).
- الموضوع الفقهي
- حكم لعب كرة القدم برِهَان
- عدد القراء
- 195