ما فائدة الدعاء ما دام القدر مكتوب؟ وهل يؤثر الدعاء بدفع القضاء ؟ بارك الله فيكم.
- الباب الفقهي
- العبادات / الدعاء والاذكار
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- هل ينفع الدعاء مع القدر المكتوب
- السؤال
- ما فائدة الدعاء ما دام القدر مكتوب؟ وهل يؤثر الدعاء بدفع القضاء ؟ بارك الله فيكم.
- الجواب
-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن الإيمان بقدر الله تعالى وقضائه واجب؛ بل هو الركن السادس من أركان الإيمان، وأن كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ، وكذلك نحن مأمورون بالدعاء والالحاح به، وهو من أعظم العبادات وأجلِّها، لِما فيه من إظهار لذلِّ العبودية لله تعالى والافتقار إليه، ونفي الكبرياء عن عبادته، فقد قال رسول الله – ﷺ-: ((الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين))رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم.
والدعاء من قدر الله تعالى، فإذا أصاب العبد ما يكرهه أو خشي ما يصيبه فمن السنة أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنه البلاء ويصرف عنه شر ما يخشاه، ولهذا قال النبي ﷺ: ((لا يرد القدر إلا بالدعاء)). رواه الترمذي بإسناد حسن وابن ماجه وأحمد.
قال الامام السندي في شرحه على سُنن ابن ماجه [1/47]: (قال الغزالي: فإن قيل: ما فائدةُ الدعاء مع أنَّ القضاءَ لا مَرَدَّ له؟ فاعلمْ أنَّ مِنْ جملة القضاء ردَّ البلاء بالدعاء؛ فإنَّ الدُّعاءَ سببُ ردّ البلاء، ووجود الرحمة، كما أنَّ البذْرَ سببٌ لخروج النبات من الأرض، وكما أنَّ التّرس يدفع السهم، كذلك الدعاء يرد البلاء).
والعبد لايدري ما كتب له، ولذلك ينبغي أن لا يتهاون في الدعاء قبل نزول البلاء أو بعده.
وقد أمر النبيّ –عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح بالدعاء على كل حال مهما صَغُر فقال: ((ليسأل أحدكم حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع)).رواه الترمذي والدارمي.
ولا تعارض بين الإيمان بالقضاء والقدر والأمر بالدعاء، فقد تضافرت الأدلة على أن الدعاء يدفع البلاء، ويرد القضاء، وأنه من القدر الذي لا شيء أنفع منه في دفع الضر أو جلب النفع، ولا ينبغي للمؤمن أن يستسلم ويترك الأسباب بحجة أن هذا قضاء وقدر وهو محتوم، ففي صحيح البخاري من حديث علي بن ابي طالب –رضي الله عنه- أنه قد سُئل النبيّ ﷺ عما يعمله الناس أهو أمر قد قضي وفرغ منه أم أمر مستأنف؟، فقال: ((بل أمر قد قضي وفرغ منه))، فقالوا: ففيم العمل يا رسول الله ؟ فقال: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فسيُيسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسيُيسر لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قول الله تعالى: إنَّ سعيكم لشتّى، فأمّا من أعطى واتّقى وصدَّق بالحُسنى فسنيسّره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعُسرى)).
هذا وقد ثبت أن النبي ﷺ كان يدعو في أوقات الشدة الأزمات ويسأل الله تعالى أن يرفع البلاء.
وروى الحاكم في المستدرك عن ام المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- أن النبي ﷺ قال: ((لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة)). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه والحديث حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
وقال الامام ابن القيم الجوزية –رحمه الله تعالى- في الجواب الكافي [ص 4]: (والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدفعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن). كما روى الحاكم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ: «الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض» .
وله مع البلاء ثلاث مقامات:
أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه، وإن كان ضعيفا.
الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه.
وقال أيضا في الجواب الكافي [ص 9]: (إن هذا المقدور قدّر بأسباب ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه، ولكن قدر بسببه؛ فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأتِ بالسبب انتفى المقدورُ وهكذا، كما قدِّر الشّبَعُ والرِّيُّ بالأكل والشرب، وقُدِّر الوَلَدُ بالوطء، وقُدر حصول الزرع بالبذر...، وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قُدر وقوعُ المدعوّ به لم يصحّ أن يقال: لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب).
قال العلماء –رحمهم الله تعالى-: وقضاء الله تعالى نوعان:
قضاء مبرم، وهو القدر الأزلي، المثبت والمطلق لا يتغير، وهو ما سبق في علم الله تبارك وتعالى؛ فهذا لا يتبدل ولا يتأخر، وقد قدَّره الله قبل أن يخلق السماوات والأرض.
وقضاء مُعلّق يمكن صرفُه بأسباب، وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة، فإنه يقال: اكتبوا عُمرَ فلان إن لم يتصدق فهو كذا وإن تصدق فهو كذا، وفي علم الله وقدره الأزلي أنه سيتصدق أو لا يتصدق، فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة لأنه معلق عليهما.
وهو المراد بقوله تعالى: ﴿لكل أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد:38-39]، وكذلك قول النبيّ ﷺ: ((مَنْ أحبَّ أن يُبسطَ له في رِزقه، ويُنسأ له في أَثَرِه فلْيَصِلْ رحِمه)) متفق عليه . وهذا معنى دعاء سيدنا عمر بن الخطاب –رضي الله تعالى عنه – كما ذكره الطبري: (اللهم إن كنت كتبتَني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت عليَّ الذّنب والشِّقوة فامحُني وأثبتني في أهل السّعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أمّ الكتاب).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى [14/492]: (قال العُلماءُ: إنَّ المَحْوَ والإثباتَ في صُحُف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف، ولا يبدو له ما لم يكن عالما به؛ فلا محو فيه ولا إثبات).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى- في فتح الباري [10/416]: (المحو والإثبات بالنسبة لما في علم المَلَك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة، ويقال له: القضاء المبرم، ويقال للأول: القضاء المعلق) .
الخلاصة: ليس هناك تعارض بين الإيمان بالقضاء والقدر والأمر بالدعاء، فقد وردت الأدلة على أن الدعاء يدفع البلاء، ويرد القضاء،أو يخفف منه، وأنه من القدر الذي لا شيء أنفع منه في دفع الضر أو جلب النفع، وينبغي للداعي أن يقوي دعاءه ويلح فيه ليدفع به البلاء، وأن يأتي بشروط الدعاء وآدابه لينفع .
وإن قضاء الله تعالى نوعان:
قضاء مبرم، وهو القدر الأزلي المثبت والمطلق لا يتغير.
وقضاء مُعلّق يمكن صرفُه بأسباب، وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة.
وانَّ المَحْوَ والإثباتَ في صُحُف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف، ولا يبدو له ما لم يكن عالما به؛ فلا محو فيه ولا إثبات .
والله تعالى أعلم
- الموضوع الفقهي
- الدعاء
- عدد القراء
- 213