هل تخصص ليلة النصف من شعبان بصلاة وكذلك صيام نهارها ؟ وهل ورد في فضلها حديث صحيح ؟ بارك الله فيكم
- الباب الفقهي
- العبادات / الصيام
- المفتي
- الشيخ الدكتور ضياء الدين الصالح
- عنوان الفتوى
- فضل ليلة النصف من شعبان
- السؤال
- هل تخصص ليلة النصف من شعبان بصلاة وكذلك صيام نهارها ؟ وهل ورد في فضلها حديث صحيح ؟ بارك الله فيكم
- الجواب
-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن ليلة النصف من شعبان قد ورد في فضلها عدة أحاديث، منها ما هو حسن صالح للاحتجاج، ومنها ما هو ضعيف لا يحتج به، ومما حسّنه بعض العلماء ما روي عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله ﷺ قال: (( إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن )) رواه ابن ماجة وحسنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1144).
وعلى هذا ينبغي على المسلم أن يتحلى بالطاعات التي تؤهله لمغفرة الله تعالى، وأن يبتعد عن المعاصي والذنوب التي تحجبه عن هذه المغفرة، وذلك في كل وقت وحين ولا يختص ذلك بوقت أو شهر معين، ومن هذه الذنوب: الشرك بالله تعالى - والعياذ بالله-، فإنه مانع لكل خير، ومنها الشحناء والبغضاء والحقد على المسلمين، وهو يمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا)) رواه مسلم، فأفضل الأعمال بعد الإيمان بالله سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها تجاه المسلمين .
ولم يثبت في فضل تخصيص قيام ليلة النصف من شعبان بصلاة أو دعاء معين شيء عن النبي ﷺ ولا عن أحد من أصحابه خبر صحيح مرفوع يعمل بمثله حتى في الفضائل، بل وردت فيها آثار عن بعض التابعين مقطوعة وأحاديث اغلبها موضوع أو ضعيف جداً، على هذا فلا يشرع إحياء تلك الليلة ولا صيام نهارها ولا تخصيصها بعبادة معينة.
وأول ظهور لذلك كما قال الإمام ابن رجب الحنبلي-رحمه الله تعالى - في لطائف المعارف [ص 137]: ( وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قَبِلَه منهم ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز).
قال الإمام أبو شامة المقدسي -رحمه الله تعالى - في الباعث على إنكار البدع والحوادث[ص 35] في تاريخ حدوث هذه الصلاة: ( وأول ما حدثت عندنا سنة 448هـ قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يُعرف بابن أبي الحميراء وكان حسن التلاوة، فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل ثم انضاف ثالث ورابع فما ختمها إلا هو في جماعة كثيرة .. ) .
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - في الفتاوى الكبرى [5/344] :(وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة).
وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في المجموع [4/56]: (الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي ثنتا عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب، وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة، وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب، وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل) .
وقال النجم الغيطي -رحمه الله تعالى -في صفة احياء ليلة النصف من شعبان: (إنه قد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مُليكة وفقهاء المدينة وأصحاب مالك وقالوا: ذلك كله بدعة ). وقال الامام النووي-رحمه الله تعالى-: (صلاة رجب وشعبان بدعتان منكرتان قبيحتان ...).[السنن والمبتدعات للحوامدي ص 145].
وقال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله تعالى- في مجموع فتاويه: (وبهذا نعرف أن ما اشتهر عند بعض العامة من أن ليلة القدر هي ليلة النصف من شهر شعبان لا أصل له، ولا حقيقة له، فإن ليلة القدر في رمضان، وليلة النصف من شعبان كليلة النصف من رجب، وجمادى، وربيع، وصفر، ومحرم وغيرها من الشهور لا تختص بشيء، حتى ما ورد في فضل القيام فيها فهو أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، وكذلك ما ورد من تخصيص يومها وهو يوم النصف من شعبان بصيام فإنها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، لكن بعض العلماء -رحمهم الله- يتساهلون في ذكر الأحاديث الضعيفة فيما يتعلق بالفضائل: (فضائل الأعمال، أو الشهور، أو الأماكن) وهذا أمر لا ينبغي، وذلك لأنك إذا سقت الأحاديث الضعيفة في فضل شيء ما، فإن السامع سوف يعتقد أن ذلك صحيح، وينسبه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا شيء كبير، فالمهم أن يوم النصف من شعبان وليلة النصف من شعبان لا يختصان بشيء دون سائر الشهور، فليلة النصف لا تختص بفضل قيام، وليلة النصف ليست ليلة القدر، ويوم النصف لا يختص بصيام، نعم شهر شعبان ثبتت السنة بأن النبي صلى الله عليه وسلّم يكثر الصيام فيه حتى لا يفطر منه إلا قليلاً وما سوى ذلك مما يتعلق بصيامه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم إلا ما لسائر الشهور كفضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وأن تكون في الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وهي أيام البيض).
والخلاصة: إنه لم يصح شيء من الأحاديث التي وردت في فضيلة إحياء ليلة النصف من شعبان وصوم يومها عند المحققين من علماء الحديث؛ ولذا أنكروا قيامها وتخصيص يومها بالصيام، وقالوا إن ذلك محدث لا أصل له من سنة رسول الله ﷺ.
ومع هذا فمن أراد أن يقوم فيها كما يقوم في غيرها من ليالي العام بلا تخصيص فلا بأس بذلك، وكذلك إذا صام يوم الخامس عشر من شعبان على أنه من الأيام البيض مع الرابع عشر والثالث عشر، أو لأنه يوم اثنين أو خميس إذا وافق اليوم الخامس عشر يوم اثنين أو خميس فلا بأس بذل .
والله تعالى أعلم.
- الموضوع الفقهي
- أحكام الصيام
- عدد القراء
- 196